قيل أن: "اصل اللغة لابد فيه من المواضعة" دافع عن هذه الأطروحة.
فهم السؤال:
أصل اللغة هنا أي كيف نشأة اللغة عند الإنسان؟.
المواضعة: من الوضع أو التواضع والوضعية والاتفاق بين الناس على تسمية الأشياء بأسمائها المعروفة بها.
خصومها هم القائلون بأن اللغة نشأت نشأة طبيعية أي أن الأسماء ضرورية ولازمة.
الطريقة استقصاء بالوضع
طرح المشكلة
إذا كانت اللغة تتمثل في جملة الإشارات والرموز والأصوات التي نستعملها للتواصل فيما بيننا فإن أخص أنماط اللغة هو الكلام الذي يتألف من ألفاظ تؤدي معنى معين وتدل عليه، بحيث تعبر عن شيء واقعي وموجود في أحيان كثيرة، لذا فقد شاع بين عامة الناس أن ألفاظ اللغة نشأت بشكل طبيعي لا دخل فيه للإنسان الذي يستخدمها الذي اكتفى باستعمال هذه الألفاظ في البداية، غير أن هذه الفكرة لم تحظ بإجماع الفلاسفة واللغويين في العصرين الحديث والمعاصر، فكيف السبيل إلى إثبات صحة الأطروحة القائلة بأن العلاقة بين الدال والمدلول تقوم على التواضع والاتفاق؟ وما هي الحجج التي تؤكد قابليتها للدفاع والتبني؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة:
يرى بعض اللغويين المعاصرين والقدامى( ابن جني دوسوسير دولا كروا ... ) أن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة، فاللغة نشأت عن طريق التفاهم والاتفاق بين الناس أو الجماعة اللغوية كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات، فيضعوا لكل واحد منها سمةً ولفظًا، إذا ذُكر عُرف به ما مسماه، يمتاز من غيره، وليغني بذكره عن إحضاره إلى مَرآة العين، كما قال ابن جني.
ومما يؤكد صحة ما ذهب إليه هؤلاء أن اللغة إبداع إنساني نشأت وتطورت حسب حاجيات الأفراد والمجتمعات، فكل ابدعت الجماعة اللغوية شيئا جديدا وضعت له إسما يعرف به ويدل عليه، يقول دولا كروا: "إن الجماعة هي التي للإشارة اللغوية دلالتها"، ثم إن حقيقة اللفظ اللغوي أنه خال من أي معنى يدل عليه كونه لا يوحد بين اسم و شيء وإنما بين عبارة صوتية مكتوبة أو منطوقة وفكرة ذهنية، خذ معي عبارة كراس أو قلم فهل هذا العبارات تحمل من صفات ما تدل عليه في الواقع ما يجعلنا نقف عندها دون غيرها من الكلمات؟ لابد أن الإجابة هنا بالنفي فما هي إلا ترابط بين مجموعة من الأصوات التي استعملها من قبلنا، ثم ورثناها منه بحكم العادة والتقليد.
ومما يؤكد صحة ما ذهب إليه هؤلاء أن اللغة إبداع إنساني نشأت وتطورت حسب حاجيات الأفراد والمجتمعات، فكل ابدعت الجماعة اللغوية شيئا جديدا وضعت له إسما يعرف به ويدل عليه، يقول دولا كروا: "إن الجماعة هي التي للإشارة اللغوية دلالتها"، ثم إن حقيقة اللفظ اللغوي أنه خال من أي معنى يدل عليه كونه لا يوحد بين اسم و شيء وإنما بين عبارة صوتية مكتوبة أو منطوقة وفكرة ذهنية، خذ معي عبارة كراس أو قلم فهل هذا العبارات تحمل من صفات ما تدل عليه في الواقع ما يجعلنا نقف عندها دون غيرها من الكلمات؟ لابد أن الإجابة هنا بالنفي فما هي إلا ترابط بين مجموعة من الأصوات التي استعملها من قبلنا، ثم ورثناها منه بحكم العادة والتقليد.
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية:
الأطروحة القائلة بأن اللغة لا بد فيه من المواضعة، تبدو صحيحة حيث يصدقها العقل ويؤكدها الواقع، فلو أخذنا لفظا جريدة لوجدناه تتابع وتأليف من مجموعة فونيمات (ج ر ي د ة ) غير دالة بل لا علاقات بينها وبين الصحائف المكتوبة في مجموعة من الأوراق المتناثرة أحيانا و المثبتة أحيانا أخرى مع بعضها البعض لتيسير حفظها وتنظيمها وتثبيتها، مما يؤكد شكلا أن عبارة جريدة هذه تخضع للتواضع والاتفاق بين الناس، ولو نظرنا للأمر نظرة واقعية لوجدنا هذا الشيء ( أي الجريدة) يمكن أن نسميه أيضا الصحيفة أو المجلة ….. مما يوحي بتعدد اسمائه ضمن اللغة الواحدة، فالعلاقة هنا بين اللفظ وما تدل عليه تخضع للتحكم والتعسف، ثم لو كانت اللغة بكاملها محاكاة للطبيعة فكيف نفسر اختلاف الأصوات الدالة على نفس الشيء ( أي جريدة) بين لغة وأخرى (Newspaper بالانجليزية )و( Journal بالفرنسية) أما الاسبانية ( Periódico ) أو الألمانية ( Zeitung ) وهكذا فمن جهة المضمون أيضا يمكننا التأكيد أن اللفظ لا يحمل في ذاته اي معنى إلا ما اتفقت عليه الجماعة اللغوية، لعل هذا ما عبر عالم اللسانيات السويسري المعاصر حين قال: " إن الرابطة الجامعة بين الدال والمدلول رابطة تحكمية"
عرض موقف الخصوم ونقده:
ذهب أفلاطون و وتني إلى موقف مخالف يرى هذا الموقف" أن اللغة نشأت عن طريق محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة التي كان يسمعها حوله" ، فبعض الألفاظ التي نستعملها ما هي إلا صدى لأصوات الطبيعة؛ الحفيف والخرير والزفير والصهيل والعواء، كما أن بعض الألفاظ قد ترتبط ارتباطا وثيقا بما تدل عليه في الواقع كمرجع، كالفتح والمفتاح أو الطرق والمطرقة، وقد ترتبط الالفاظ ارتباطاً وثيقاً بالدلالات فـي بعض الحالات النفسية، كالكلمات التي تعبر عن الغضب أو النفـور أو الكره، كما أنه غدا معروفاً في العربية أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
غير أن هذه النظرية تتضمن بين ثناياها الكثير من المبالغة ما يجاوز حد المعقول، فلو قارنا بين هذه الألفاظ المحاكية والكم اللفظي الضخم جدا الذي نستعمله لما وجدنا ما يستحق المقارنة، وليس من الحكمة الاستناد إلى القول بالكلمات أو الحروف التي تحمل معنى في ذاتها فالحاء مثلا لا يوحي دوما بالراحة النفسية والانبساط كما هو الأمر في عبارات الحقد والحرب الحزن، وكثير ما نجد قصائد غزلية في منتهى الرقة لكن قوافيها ليست حاء أو سين، ولو صح القول بأن اللغة الإنسانية تعتمد مبنية على المحاكاة والضرورة واللزوم لما تعددت لغات العالم، ولكان للعالم لغة واحدة لا أكثر.
حل المشكلة:
وهكذا يتضح لنا من منطق التحليل أن الألفاظ التي نستعملها لا تقوم على الضرورة واللزوم، ولا تحمل في ذاتها دلالة مطاقة حول ماتدل عليه مما يعني، أن الأطروحة القائلة " اصل اللغة لابد فيه من المواضعة " أطروحة صحيحة ومشروعة، وهناك العديد من الحجج والمواقف الفلسفية واللسانية التي تؤكد قابليتها للدفاع والتبني.