مقالة فلسفية حول موضوع الإدراك الحسي.

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية
الحجم

موضوع السؤال:

هل تعتقد أن الإدراك حكم عقلي أم أنه مجرد بناء حسي؟

فهم السؤال:

حكم عقلي: عملية الإدراك تابعة لملكات العقل العليا * التذكر التخيل الحكم التصديق ....* الموقف العقلي 

بناء تجريبي حسي: عملية الإدراك تابعة للحواس *إحساس سمعي إحساس بصري إحساس ذوقي ...* الموقف الحسي الترابطي.



مقال فلسفي حول الإدراك الحسي.








تحرير المقال

طرح المشكلة:

الإدراك عملية نفسية يتم خلالها تنظيم وتأويل الاحساسات الأولية وتفسيرها وتكميلها بل تحويلها إلى معرفة، وهو ما أدى إلى اختلاف الفلاسفة التقليديين حول طبيعة المعرفة الإدراكية وأساسها، فربطها البعض بالملكات الذهنية للشخص المدرك، في الوقت الذي فسرها فريق آخر بفاعلية الحواس ، ظهر هذا الاختلاف جليا في جملة من التساؤلات أهمها: هل ترد معارفتنا الإدراكية إلى العقل وأحكامه؟ أم أن لفاعلية الحواس دور في عملية الإدراك؟






محاولة حل المشكلة:

عرض القضية:

يرى الفلاسفة العقليون وعلى رأسهم ديكارت وآلان أن المعرفة الإدراكية نابعة من الأحكام العقلية، بل أن عملية الإدراك لا تتجاوز كونها حكم عقلي كما يقول آلان، ويؤكده ديكارت أيضا حين يقول أني أدرك بمحض ما في من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني. مما يؤكد أن جميع معارفنا تنشأ من المبادئ العقلية القبلية.

فالإحساس أقل قيمة من الإدراك من جهة القيمة ومن جهة الطبيعة، فالأول عام ومشترك بينما الثاني خاص بالإنسان وحده، الأول مرتبط بالبدن والثاني مرتبط بالروح، ليس بإمكان الإحساس الوصول إلى معرفة يقينية كلية ، حدوده القصوى هي الصفات العرضية اللون والحجم و … ، لكن ذلك في متناول العقل وأحكامه، ليس هذا كل شيء لكن الحواس قد تخطئ فيتدخل العقل ليصوب أخطأها، يقول ديكارت:" أنظر من النافذة فأشاهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول إني أرى رجالا بعينهم، مع أني لا أرى من النافذة غير قبعات قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب. لكني أحكم بأنهم أناس. وإذن أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني، من جهة أخرى فنحن لا نستطيع ان نرى المكعب بكامل أضلاعه لأنه من بين اضلاعة الاثنا عشر لا نرى إلا ستة ومن بين سطوحه الستة لا نرى إلا ثلاثة. مع هذا نقول عنه مكعب. وانظر معي إلى اللوحة الفنية أو الصورة الفوتوغرافية التي تتضمن بعدين محسوسين هما الطول والعرض مع ذلك يستطيع العقل إدراك العمق او البروز والارتفاع.


النقد والمناقشة:

لا ينكر دور العقل وقواه المهيأة لتحصيل المعرفة إلا جاحد، لكن هذه الملكات غير قادرة على تحصيل المعرفة دون الإتصال بالعالم الخارجي عن طريق الحواس، ثم إذا كانت المعارف القبلية المشتركة فيما بيننا هي عينها، فلماذا لا نتساوى جميعا ونحن نملك نفس العقول ؟. ولعل أخطاء الأدراك لا تعود في جميع الحالات إلى الإحساس ، بل أن للعقل نصيبه منها أيضا *ظاهرة السراب مثلا* هذا وترفض المدرسة الظواهرية الموقف العقلي جملة وتفصيلا حين تقول: " الثابت هو الأشياء والمتغير هو الإدراك".

نقيض القضية:

يرى أنصار المذهب الحسي كجون لوك وجون استوارت أن أساس المعرفة الإدراكية هو الحواس ، فالعقل يولد صفحة بيضاء تكتب عليها التجربة ما تشاء وهو ما يعني أن تحصيل المعرفة يتم عن طريق الإحساس، ولا وجود لإدراك مجرد، وكلما هناك إحساسات متفاوتة فيما بينها وصولا إلى الإدراك الحسي.

فليس هناك أفكار فطرية في نفس الطفل الصغير أو الرجل البدائي، إنما هناك خبرة مكتسبة بالتدريج عبر الحواس، يقول دافيد هيوم جميع مواد الفكر مأخوذة من حواسنا سواء كانت خارجية أو داخلية مزجها وتركيبها فقط هما اللذان يرجعان إلى الفكر والإرادة، والتجربة الحسية هي المصدر الوحيد للمعرفة، معرفة التفاحة مثلا ناتجة عن حاسة البصر الطعم والرائحة كصفات ثانوية متغيرة ، بالإضافة إلى النعومة والامتداد والشكل كصفات أولية ثابتة ، والمعرفة هي تجميع وتآليف بين هذه الانطباعات يقول جون لوك* إن إدراكنا للموضوعات الحسية يتم بناء على الصفات الحسية الموجودة في حواسنا، بالرغم من وجود هذه المحسوسات منفصلة وغير مترابطة *. بل ان الاعمى كما يضيف دافيد هيوم "لا يعرف شيئًا عن الضوء ، والأصم لا يعرف عن الصوت و الفاقد لحاسة ما فاقد للمعرفة المحيطة بها أن الأعمى لا يستطيع أن يكون أي فكرة عن اللون و القول بقصور الحواس أصبح من الماضي كما يقول هيوم "


النقد والمناقشة: 

لا يتم الاتصال بالعالم الخارجي إلا عن طريق الحواس، لكن لماذا تقتصر المعرفة على الإنسان في الوقت الذي يشترك مع الحيوان في الإحساس؟ ثم إن الدراسات الحديثة في علم النفس ترفض أن يكون الإدراك الحسي مجرد ترابطات حسية تتجمع في الذهن فالكثير من الدلائل تثبت أن الإدراك كباقي العملية النفسية يتم دون فواصل زمنية ، زد على هذا أن الإحساس الخالص لا يتجاوز كون افتراض نظري يفتقر إلى أدلة علمية تؤيده وتبرر واقعيته.


التركيب:
نستنتج أن المواقف التقليدية (العقليون والتجريبيون ) قد عجزت عن تفسير الإدراك الحسي تفسيرا علميا بعيدا عن الصراع الفلسفي، فلا احساس خالص ولا إدراك مجرد ، زد على ذلك أن احساساتنا ما هي إلا صورة طبق الأصل لأشياء العالم الخارجي وموضوعاته ، مما يعني أن الإدراك عملية معقدة لا تقتصر على ما هو ذاتي فقط. لكنها تتجاوزه إلى الواقع الموضوعي.


حل المشكلة:

لا يمكن الحديث عن الإدراك المجرد أو الإحساس الخالص إلا من الناحية المنهجية المنطقية، أما من الناحية الواقعية فإن المعرفة الإدراكية هي تفاعل بين عوامل متعددة تتجاوز القدرات الحسية والمدارك العقلية التي يمتلكها الإنسان إلى أحواله وظروفه من جهة وإلى ما تكون بنية الموضوع من انتظام وتفكك.

google-playkhamsatmostaqltradent