تحليل نص فلسفي حول الرياضيات وانساقها لمحمد ثابت الفندي.

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية
تحليل نص فلسفي حول الرياضيات وانساقها
الرياضيات وانساقها 

نص المفكر التونسي المعاصر محمد ثابت الفندي (1909-1990) حول الانساق الرياضية.

المرجع الكتاب المدرسي للشعب الأدبية والعلمية و التقنية
تحليل نص فلسفي لمحمد ثابت الفندي حول الرياضيات وانساقها
 نص فلسفي لمحمد ثابت الفندي


طرح المشكلة:

يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن مجال فلسفة المعرفة كونه يعالج موضوع الحقيقة الرياضية، هذا الموضوع الذي أثير قديما مع اليونان، ثم أعيد طرحه في العصر الحديث مع ديكارت وإيمانويل كانط الذي أعجب بالحقيقة الفلسفية واعتبرها مثالا يحتذى به في دقة النتائج و مطلقيتها، غير أنه أخذ بعدا آخر مع حركة النقد الداخلي للأنساق الرياضية، ما دفع المفكر التونسي المعاصر محمد ثابت الفندي (1909-1990) إلى كتابة نصه الذي جاء كرد على التصورات التقليدية التي تقر بمطلقية الحقيقة الرياضية، من خلال إجابته عن سؤال مفاده: هل ثمة صلة بين الحقيقة الهندسية والمكان؟ وما أثر ذلك على الحقيقة الهندسية؟


محاولة حل المشكلة


موقف صاحب النص:


يرى محمد ثابت الفندي أن هناك تصور قديم يقول بمطلقية الحقيقة الهندسية، ويبرر هذا التصور بناء على المعيار التي اعتمدت عليه، أي مطابقة قضايا الهندسة للمكان الواقعي وتعبيرها عنه، لذا فهي تحصر الحقيقة الرياضية فيما توصل إليه اقليدس دون سواه، بل لا يمكن الحديث عن تصور سواه، أما التصور المعاصر فيقر بانفصال قضايا الهندسة عن المكان وعدم اهتمامها به، مع الأخذ بمعيار مخالف لمطابقة الواقع وهو عدم تناقض الفكر الرياضي مع نفسه في كل برهنة رياضية، وقد أدى اعتماد هذا المعيار إلى تعدد الانساق الرياضية فتحول المطلق إلى نسبي هذا ما نفهمه من قوله «إنما يهمنا أن نرى بوضوح كيف استقلت قضايا الهندسة عن المكان أيا كان، ولم تعد تقاس الحقيقة فيها بمدى صلتها بالمكان أو مطابقتها له، إنما تقاس بميزان منطقي صرف هو عدم تناقضها فيما بينها في داخل كل هندسة على حدة.»


حجج وبراهين صاحب النص:


دعم محمد ثابت الفندي موقفه بالحجة التاريخية عندما صور لنا المعيار الجديد للحقيقة الهندسية القائم على عدم التناقض بالضربة القاضية التي ابطلت أطروحة كانط، حيث كان يعتقد أن كل حقيقة تخرج عما توصل إليه اقليدس يعد غير صائب وما ذلك إلا لأنها تعبر عن خواص المكان، فهي تسلم بأن المكان سطح مستوى، وقد بين أن أثر هذا التصور لا يقف عند حدود الرياضيات بل تجاوزه إلى الفيزياء التي أخذت بهذا المعيار وأضحت تنشد المطلقية مع نيوتن، وقد اعتمد نفس الحجة عندما بين العلاقة بين حركة النقد الداخلي وظهور أنساق هندسية ( ريمان لوباتفسكي )جديدة تتجاوز ما كان متعارف عليه مع اقليدس فقد افترضت هذه الهندسات مكان مختلف عن مكان اقليدس ( مكان مقعر أو محدب )، رغم هذا الاختلاف إلا أن نتائجها كانت صحيحة، ولعل ذلك يعود إلى اعتمادها على معيار عدم التناقض بين المنطلقات من جهة والنتائج من جهة أخرى بدل مطابقة المكان، واعتمد الحجة العقلية عندما بين أن ما كان يعتقد أنه الكل في وقت معين أصبح مجرد جزء من علم يتوسع باستمرار، واعتمد الحجة العقلية في حديثها عن المسلمات التي يقوم عليها كل فلو أخذنا فكرة بالنظر إلى ما تمتع به من وضوح في ظل تعدد الأنساق لما كان من السهل علينا نسبتها إلى نسق دون غير لذا اصبح العقل الرياضي ينتقي المسلمات لسبب وحيد وهو دورها في البرهنة الرياضية.
جاء النص على الصياغة المنطقية التالية:
إذا انفصلت الهندسة عن المكان تعددت أنساقها.
لكن الهندسة المعاصرة أنفصلت فعلا عن المكان.
إذن تعدد الانساق الرياضية دليل على نسبيتها.


نقد وتقييم النص:

وفق محمد ثابت الفندي في حديثه في الربط بين المعيار الذي اعتمدته الهندسة المعاصرة، وما اعقبه من تغيير على مستوى النتائج فالعقل الرياضي المعاصر لا يهتم في بنائه النسقي بالواقع بقدر ما يهتم بالتوافق والانسجام بين الأوليات التي ينطلق منها والنتائج التي يتوصل إليها، يقول دافيد هيلبيرت «وعلى هذا الأساس يكون من المشروع تأسيس هندسة أخرى نتصور فيها مكانا خاليا من الأبعاد ونحذف قضية المتوازيات حذفا تاما» وقد أثبت العقل الرياضي المعاصر أن الواقع في حد ذاته يعد حدا من حدود الرياضيات وأن اليقين الرياضي يزداد بقدر ابتعاد الحقيقة الرياضية عن الواقع الحسي.

حل المشكلة:

يبدو لي أن اليقين الرياضي مرتبط بأنساقه الخاصة في ظل المعيار الجديد أو ما يعرف بعدم التناقض، فهو لا يكتسب قيمته إلا داخل النسق الذي ينتمي إليه، يقول بوانكاري «إن هندسة ما ليست أكثر يقينا من هندسة أخرى، إنها أكثر ملاءمة» فالقضية هنا لا تتعلق بنفي الحقيقة الماضية وإنما وضعها كحالة ممكنة في مجموعة أشمل وهو ما يؤكد نسبية الحقيقة الهندسية لاعتمادها على التوافق الانسجام بين المقدمات والنتائج.
google-playkhamsatmostaqltradent