أثبت العلم في العصر الحديث نجاحه على جميع الإصعدة، وخاصة في الكشف عن الكثير من ظواهر الكون، مما مكن الفيزيائيون الكلاسيكيون من صياغة قوانين عرفت حينها بدقتها ويقينها المطلق، ومن ثمة أُخضعت كل الظواهر، من أكبر الأجسام إلى أصغرها لنفس الأطر التفسيرية مع القدرة على التنبؤ بها، عن طريق إخضاع كل الظواهر إلى الترابطات العلية وإلى مبدأ الحتمية.
كما تمكن العلم من أن يبرهن على صحته من خلال تطبيق نتائجه ميدانيا، محققا بذلك فكرة الطبيعة تحققا عمليا. وكل هذا أدى إلى الإيمان المطلق بنتائج الفيزياء الكلاسيكية، واعتبار هذه الفيزياء أنها وصلت إلى غايتها القصوى. وظنّ الكثير من الفيزيائيين حينها أن العالم كله أصبح مفهوماً، وأن الفيزياء اكتملت في ضوء النجاحات التي تحققت في فهم الكيمياء والكهرومغناطيسية والديناميكا الحرارية ...، وبَدَا أن قوانين الميكانيكا الكلاسيكية - التي تتشكل من قوانين نيوتن ونظرية ماكسويل - غير قابلة للمناقشة. وظهر الكون التقليدي كما لو كان حتميا تماما، وأنه يعمل طبقا لعدد محدود من المبادئ البسيطة كساعة البندول في دقتها.
لكن اختلاف طبيعة المادة التي درستها الفيزياء الكلاسيكية مقارنة بالفيزياء المعاصرة ، جعل العلم يعيد النظر فيما وصل إليه من وثوقية ويقين مطلقين.
الفيزياء الكلاسيكية
في عام 1900 بين ماكس بلانك أن الضوء عبارة عن طاقة تسري على شكل حبات سميت حينها الكوانتوم ، جدير بالذكر أن الكوانتوم أصغر كمية من الطاقة يمكن إطلاقها أو امتصاصها ، أو ما يسمى فوتون حسب تعبير ألبرت اينشتاين بعد ذلك. مما يعني أن الطاقة الضوئية حسب ماكس بلانك، تتغير بكميات محدودة سماها الكوانطات فظهر حينها ما يعرف بالنظرية الكوانتية quantique théorie .
اكتشف طومسون النشاط الإشعاعي للراديوم، ثم وضع وادزفورد القانون الأساسي لتفتيت الذرة، حينها اكتشف العلماء أن بعض الذرات تتميز بخاصية النشاط الإشعاعي، فهي تقذف ببعض جزيئاتها تلقائيا، مما يعني أن نشاط الذرة يتضمن حوادث مجهولة العلل.
كما تبين للعلماء بعد التحليل الذري أن المادة تتألف من إلكترونات وبروتونات، الإلكترونات ذات شحنة كهربائية سالبة، أما شحنة البروتون ذات شحنة كهربائية موجبة، ومع تقدم العلم تم اكتشاف عنصر ثالث هو النيوترون.
الفيزياء المعاصرة
اكتشف طومسون النشاط الإشعاعي للراديوم، ثم وضع وادزفورد القانون الأساسي لتفتيت الذرة، حينها اكتشف العلماء أن بعض الذرات تتميز بخاصية النشاط الإشعاعي، فهي تقذف ببعض جزيئاتها تلقائيا، مما يعني أن نشاط الذرة يتضمن حوادث مجهولة العلل.
كما تبين للعلماء بعد التحليل الذري أن المادة تتألف من إلكترونات وبروتونات، الإلكترونات ذات شحنة كهربائية سالبة، أما شحنة البروتون ذات شحنة كهربائية موجبة، ومع تقدم العلم تم اكتشاف عنصر ثالث هو النيوترون.
هذه النظريات والاكتشافات الجديدة دفعت بكارل هايزنبرغ Heisenberg Karl عاش (1901-1976) م إلى الاهتمام بدراسة هذا الجسم المكتشف " الكوانتوم "، ومن ثمة استخلاص قوانين حركته وهذا ما يسمى بـالميكروفيزياء أو دراسة الأجسام الصغيرة ، بينما كانت الفيزياء الكلاسيكية تدرس الأجسام الكبيرة أو الماكروفيزياء . من هنا بدأت معالم الفرق تتسع بين الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء المعاصرة.
بالعودة إلى الكلاسيكيين فقد تصورت الفيزياء في الماضي الذرة تماما كما هو الأمر بالنسبة للأفلاك الكبيرة، أي النواة وهي تدور حولها الإلكترونات كالشمس تدور حولها الكواكب السيارة.
وكما هو معروف ، الكواكب تتحرك بنظام محكم في مداراتها إذ يمكن التنبؤ بمكانها المستقبلي متى عرفنا موقعها الآني وسرعتها ومسارها.
لكن هايزنبرغ الذي يمثل المعالم الأولى للفيزياء المعاصرة، بين " اعتمادا على الانشطار العشوائي للإلكترون " أن هذا الأخير يمكن أن يكون في أي مكان في نفس الوقت ، كما أن انتقال الإلكترون من حالة قارة إلى حالة قارة أخرى يتم بواسطة طفرة مما يجعل التنبؤ الدقيق بمكانه أمرا مستحيلا.
كما بين أيضا إن سرعة الإلكترون الفائقة تجعل من المتعذر قياس سرعته وتحديد موقعه في آن واحد بدقة فكلما دق قياس كمية حركته التبس موقعه ، وهذا يؤدي إلى عدم التمكن من معرفة موقعه وسرعته الابتدائيتين وبالتالي توقع سرعته وموقعه في زمن لاحق .
حيث يقول " كلما دق قياس موقع جسيم غيرت هذه الدقة كمية حركته . كلما دق قياس كمية حركته التبس موقعه. يمتنع أن يقاس موقع الجسيم وكمية حركته معا قياسا دقيقا ، أي يصعب تعيين موقع الجسيم وسرعته الابتدائيتين بالمفهوم الميكانيكي وتبعا لذلك يصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن لاحق"
النتائج الابستمولوجية لنظرية هايزنبرغ
1. الإقرار باللاحتمية يعني التعبير على عجز الإنسان في معرفة العالم بدقة ويقين كما كان يتصور قديما.
2. القوانين التي تصدق على الظواهر الكلية ، قد لا تصدق على الظواهر الجزئية اللامتناهية في الصغر.
3. لا يمكن ملاحظة الذرة وتحديدها تحديدا ماديا ، بل نكتفي بتحددها حسابيا .
4. لا يمكن عزل الجسم المدروس أي الإلكترون عن العالم الخارجي المؤثر فيه لا سيما آلة القياس.
5. تكرار التجربة والحصول على نفس النتائج أمر مستحيل ما دام الإلكترون يغير مكان وجوده بصفة غير محددة مسبقا .
6. وأهم من ذلك كله ظهور مبدأ اللاحتمية مع هايزنبرغ في 1927 القائل بعدم قدرة العلم في الميكروفيزياء على التنبؤ بالظواهر التي يمكن أن تحدث وقد عبر عنه بعلاقات الارتياب أي أنه في كل قانون علمي نسبة من الخطأ.
موقف إدينجتون 1882-1944 فلكي وفيزيائي انجليزي
تقدم العلم أثبت أن الأخذ بمبدأ الحتمية في معناه القديم أصبح أمرا مستحيلا، لأن العلاقات الدقيقة الصارمة في الطبيعة هو نتيجة للطابع الساذج لمعارفنا بالكون، إذ أننا نخلط في الواقع بين القوانين بمعناها الحقيقي، وبين القوانين التي لا تصدق إلا على الظواهر المركبة.
يقول دوبروغلي (1987-1892) " هناك حتمية عندما يستطيع الفيزيائي بعد تعرفه على شروط معينة محددة أن يتنبأ بشكل دقيق بحادثة معينة ستقع في وقت معين "
فيما يقول غاستون باشلار "إن القول باللاحتمية في الميكروفيزياء يضع حدودا فاصلة بين الميكروفيزياء والماكروفيزياء".