السؤال:
هل تفسر الذاكرة بردها إلى العوامل الذاتية " الفردية " أم إلى العوامل الموضوعية " الاجتماعية " ؟.
فهم السؤال:
العوامل الفردية نسبة إلى الذات التي تقوم بعملية الذكر، يمكن الجمع فيها بين الخصائص العضوية المادية والخصائص النفسية الشعورية.
العوامل الاجتماعية نسبة إلى موقف علماء الاجتماع الذين يربطون عملية التذكر بالمجتمع كعامل موضوعي.
طرح المشكلة:
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعيش الأبعاد الثلاثة،(الماضي الحاضر المستقبل) لأن حياته لا تقتصر على اللحظة التي الآنية التي يعايشها لوحدها، لكنه يقوم بتنظيم حياته إنطلاقا من تركيبه للصور الماضية والاستفادة من ذلك في الحاضر والمستقبل، ولا يتم ذلك إلا من خلال وظيفتين نفسيتين هما الذاكرة والخيال ، لكن وبعيدا عن الترابط بينهما، فقد اختلف الفلاسفة والعلماء الوضعيين حول تفسير عملية التذكر، ففسرها البعض بالعوامل الذاتية الفردية التابعة للشخص، بينما فسرها آخرون بالعامل الاجتماعي. فهل يكفي القول إن الذكرى من طبيعة اجتماعية موضوعية للتعبير عن ماهيتها؟ أم أن لذاكرة الفرد دور في استرجاع معطيات الماضي؟
محاولة حل المشكلة:
عرض القضية "الموقف الأوّل":
يرى أنصار هذا الموقف (الماديين والنفسيين) أن الذاكرة من طبيعة موضوعية فرديّة، فعملية حفظ الذكريات واسترجاعها ترتبط بالخصائص عضوية مادية (ريبو) والجوانب النفسية الشعورية (برغسون)، فنحن نحتفظ بذكرياتنا داخل ذواتنا ونسترجعها عن الحاجة إليها.
ومما يؤكد ذلك أن عملية الحفظ أو الاسترجاع، مرتبطة إما بالأجهزة العضوية البيولوجية، الموجودة على مستوى الجهاز العصبي، والمسؤولة في جوهرها عن مختلف العمليات المرتبطة بالتذكر، وهي التي قصدها العالم الفيزيولوجي الفرنسي ريبو في قوله ((أن الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي )) أو بالخصائص النفسية الشعورية الروحية ، فالتذكر عملية نفسية واعية قوامها الشعور، فهي جوهر روحي محض، وديمومة شعورية، تسجل كل ما عشناه وما مر بنا، ويبقى محفوظا وحيا كصور في أعماق النفس، ولا يعود إلى ساحة الشعور، إلا عند الحاجة، وأداة استرجاع الماضي وربطه بالحاضر هو الدماغ أو الجهاز العصبي، وسواء كان الدماغ حافظا للذكرى او مسترجعا لها فإن هذا لا يهم هنا بقدر ما يهمنا رد الذكريات إلى الذات التي لا تحتاج إلى غيرها في عملية التذكر، ومما يفسر الطابع الذاتي للذكريات أيضا هو عملية الاسترجاع بعد الفقدان فالذكريات المفقودة موجودة في النفس غير أن الشعور يتعذر عليها التعرف عليها.
يرى أنصار هذا الموقف (الماديين والنفسيين) أن الذاكرة من طبيعة موضوعية فرديّة، فعملية حفظ الذكريات واسترجاعها ترتبط بالخصائص عضوية مادية (ريبو) والجوانب النفسية الشعورية (برغسون)، فنحن نحتفظ بذكرياتنا داخل ذواتنا ونسترجعها عن الحاجة إليها.
ومما يؤكد ذلك أن عملية الحفظ أو الاسترجاع، مرتبطة إما بالأجهزة العضوية البيولوجية، الموجودة على مستوى الجهاز العصبي، والمسؤولة في جوهرها عن مختلف العمليات المرتبطة بالتذكر، وهي التي قصدها العالم الفيزيولوجي الفرنسي ريبو في قوله ((أن الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي )) أو بالخصائص النفسية الشعورية الروحية ، فالتذكر عملية نفسية واعية قوامها الشعور، فهي جوهر روحي محض، وديمومة شعورية، تسجل كل ما عشناه وما مر بنا، ويبقى محفوظا وحيا كصور في أعماق النفس، ولا يعود إلى ساحة الشعور، إلا عند الحاجة، وأداة استرجاع الماضي وربطه بالحاضر هو الدماغ أو الجهاز العصبي، وسواء كان الدماغ حافظا للذكرى او مسترجعا لها فإن هذا لا يهم هنا بقدر ما يهمنا رد الذكريات إلى الذات التي لا تحتاج إلى غيرها في عملية التذكر، ومما يفسر الطابع الذاتي للذكريات أيضا هو عملية الاسترجاع بعد الفقدان فالذكريات المفقودة موجودة في النفس غير أن الشعور يتعذر عليها التعرف عليها.
نقـد القضية:
تلعب الخصائص الفردية دور كبير في عملية التذكر، فلكل منا ذكرياته الخاصة به التي لا يمكن لغيره الاطلاع عليها أو معرفتها، لكن حصر عملية التذكر في العوامل الفردية لوحدها يحمل الكثير من المبالغة لأن ربط الذكريات بمراكز معينة في الدماغ فكرة لا تثبتها أبحاث العلماء بعد، في الوقت الذي يصعب علينا فهم الذاكرة كشعور نفسي خالص، مع اعتمادها على الدماغ كآليات مادية من أجل استحضار الذكريات، ثم أليس من الحكمة انّ نلقي الضوء على الدور الذي تؤديها الحياة الاجتماعيّة في صنع ذكريتنا وحفظها؟
عرض نقيض القضية "الموقف الثاني":
يرى علماء الاجتماع (هالفاكس دوركايم بيار جانيه) إن الذاكرة ومهما اتسمت بالصبغة الفردية، فهي متينة الصلة بالحياة الاجتماعية التي يستمد منها الفرد وجوده وعلاقاته، كمواد وخبرات لذاكرته، وهذا ما دفع ببيار جانيه إلى القول "لو كان الإنسان وحيدا لما كانت له ذاكرة ولما كان في حاجة إليها".
ومما يؤكد صحة موقفهم أن ملامح ذاكرة الفرد لا تحدد إلا من خلال طبيعة الموقع الذي يأخذه الإنسان في مجتمعه، فالجماعة التي ننتمي إليها هي التي تحفظ خبراته الماضية (مراحل حياته طفولته عندما كان فاقدا للوعي) فهذه الذكريات التي ساهم في صناعتها عن غير وعي محفوظة في الضمير الاجتماعي، ليس هذا فقط لكن الجماعة التي ننتمي إليها تقدم لنا الوسائل التي تساعدنا على استرجاع ذكريتنا، لهذا ذهب عالم الاجتماع الفرنسي "موريس هالفاكس " إلى القول" أننا حينما نتذكر فإن الغير هو الذي يدفعنا إلى ذلك لأن ذاكرته تساعد ذاكرتنا"، و لعلنا نتسأل في نطاق الأطر العامة للذاكرة الاجتماعية عن وسائل حفظ الذكريات، فنجد اللغة كظاهرة اجتماعية هي الإطار الأول الذي تمنحنا أيها الجماعة لحفظ ذكريتنا واسترجعها، من هنا كان الفرد ضمن الجماعة لا يعيش ماضيه الفردي الخاص، بل يعيش ماضيه الجماعي المشترك ضمن هذه الجماعة التي ينتمي إليها، وبالفعل فإن حفظ الذكريات ورسوخها يفسر بالتقاء هذه الأطر، بينما تفسر عملية النسيان بقلة هذه الأطر أو اختفائها كليا.
نقد نقيض القضية:
لا يمكن التذكر في أغلب الأحيان في غياب هذه الوسائل التي يمنحنا أيها المجتمع، لكن هذا لا يعني تعويم الذاكرة الفردية في نطاق الذاكرة الاجتماعية، لأن هناك الكثير من الذكريات الفردية الخاصة المرتبطة بميولاتنا، واهتماماتنا، ورغباتنا، والتي لا دخل للمجتمع فيها. وقد نجد أفراد ينتمون إلى جماعة واحدة لكن لكل منهم ذكرياته الخاصة، مما يعني إن عملية التذكر لا تقتصر على الوسائل التي تساعدنا على استرجاع الماضي، لكنها وظيفة حيوية، تعبر عن حضورها الفردي في شعورنا الراهن وليست بمعزل عن العالم الخارجي، والبيئة التي نعيشها.
التركيـب:
الذّاكرة محصلة لتفاعل مجموعة من العوامل بعضها فردي ذاتي يجمع بين ما هو نفسي وما هو مادي، وبعضها الآخر موضوعي اجتماعي. ذلك ان عملية التذكر مرهونة بسلامة الدماغ والجهاز العصبي بالإضافة إلى توازن الشخصية واستقرارها دون أن ننسى الأطر التي يمنحنا أيها المجتمع لحفظ ذكريتنا واسترجاعها.
حل المشكلة:
إذا كانت حقيقة الذاكرة تتمثل في القدرة النفسية على الحفظ والاسترجاع، فإن هذه القدرة لا تقتصر على الشروط نفسية الفردية فقط، لكنها في حاجة أيضا إلى عوامل موضوعية، لكونها محصلة لتفاعل الخصائص النفسية والمادية دون أن ننسى وسائل الجماعة وأطرها.