نص الإحساس وأخطاء الإدراك لروني ديكارت
المرجع الكتاب المدرسي لشعبة الآداب والفلسفة
![]() |
تحليل نص فلسفي |
طرح المشكلة
تأسست فلسفة المعرفة قديما بغرض الإجابة عن تساؤلات الإنسان المرتبطة بمصدر معرفته، وأصلها وطبيعتها وحدودها، لكن البحث في المعرفة الإنسانية أخذ بعدا آخر في العصر الحديث إذا ارتبط بأهم الظواهر النفسية لدى الإنسان أو ما يعرف بموضوع الإحساس والإدراك، وقد أهتم فلاسفة هذا العصر بتأكيد التباين بين هاتين العمليتين النفسيتين بناء على عوامل تعود إلى الفرد المدرك، كما اهتموا بالعامل الأساس في عملية الإدراك، وكان من بينهم الفيلسوف العقلاني والرياضي الفرنسي روني ديكارت "1596-1650" الذي حاول من خلال نصه هذا أن يبن مصدر أخطاء المعرفة الإدراكية، وهذا من خلال إجابته عن سؤال مفاده: إلى أي مدى يكون الإحساس مسؤولا عن أخطائنا الإدراكية؟
محاولة حل المشكلة
موقف صاحب النص
يرى روني ديكارت أن التصور القائل بأن المعرفة اليقينية تكتسب عن طريق الحواس، أقرب ما يكون إلى الوهم منه إلى الحقيقة، فهو تصور ناتج عن طبيعة المعرفة في صورتها الساذجة، والناتجة عن الحكم المتسرع، لكنه لا يصمد أمام التجربة، لأن أخطأ الإدراك في نظره تعود إلى اعتماد الحواس مصدرا للمعرفة، وهو ما دفع به إلى الدعوة للأخذ بالعقل كمصدر أوثق لها، وإلى الإيمان القطعي بالمعارف الناتجة عنه، يفهم هذا من قوله " لكن اختبارات كثيرة قوضت كل ما لدي من ثقة بالحواس".
حجج وبراهين صاحب النص
أعتمد روني ديكارت في تأسيس موقفه على الحجة العقلية عندما حلل الأفكار الناتجة عن طريق الحس ووقف على طبيعتها، مقارنة بالمعرفة الناتجة عن طريق العقل، ثم بين الأسباب التي تدعونا إلى الإطمئنان إليها، رغم أن ذلك في نظره يعد حكما سطحيا ساذجا، بل هو ناتج عن عدم إدراك طبيعة المعرفة، كما أعتمد على الحجة الواقعية عندما بين أيضا أن رؤيتنا للأشياء من مسافات متباينة تؤدي بنا إلى إدراكات حسية مختلفة عن الموضوع الواحد، مثل رؤية الأبراج و التماثيل الضخمة من بعيد، فهي لا تبدو بحجمها الحقيقي... إضافة إلى هذا فشعور الإنسان بألم في عضو مبتور دليل آخر على أن الإدراكات الحسية لا تتضمن اليقين، وقد استعمل البرهان بالخلف عندما انطلق من فكرة الترابطية فأثبت تهافتها ومنها سلم بصدق نقيضها وهي أن المعرفة اليقينية لا تدرك إلا اعتمادا على العقل، لأن قواعد المنطق توجب أن لا يجتمع النقيضين في حالة واحدة من الجمع أو الارتفاع.
وقد جاء النص على الصياغة المنطقية التالية:
- إما أن يرجع الإدراك إلى القدرات الذهنية أو إلى الإمكانيات الحسية.
- لكن الإمكانيات الحسية هي مبرر الأخطاء الادراكية.
- إذن ترتبط المعرفة الإدراكية بالعقل والقدرات الذهنية.
نقد وتقييم النص
وفق روني ديكارت في تأكيد الطابع المعقد في العملية الإدراكية، وفي بيان قدرة الذهن على تجاوز الأخطاء الحسية إلا أن رد الأخطاء جملة وتفصيلا إلى الامكانية الحسية فيه الكثير من المبالغة والتطرف فقد ترد هذه الأخطاء الى ظروف الفرد المدرك وأحواله النفسية، كظاهرة السراب مثلا، كما قد ترد إلى قدراته الذهنية ذاتها هذا ما أكده مالبرانش حين قال " ليست حواسنا هي التي تخدعنا وإنما إرادتنا بأحكامها المتسرعة" كما قد يعود الخطأ في العملية الإدراكية على ما يكون عليه الموضوع في العالم الخارجي انتظاما و تفككا.
الرأي الشخصي
وبناء على ما تقدم فإن أخطأ الإدراك لا يمكن أن ترد إلى جانب دون آخر وإنما هي نتاج مشترك لعدد من العوامل منها ما هو عضوي ومنها ما هو نفسي ومنها ما يرتبط بعالم الأشياء فحقيقة المعرفة تتمثل في التكامل بين الذات والموضوع وأي اختلال في أحدهما ينتج عنه اختلال على مستوى الآخر، وما ينطبق على المعرفة يصدق أيضا على الأخطاء المرتبطة بها.
حل المشكلة
نستنتج في الأخير أن رد أخطأ الإدراك الى الحواس وحدها، ليس له مايبرره واقعيا، هو لا يخرج عن إطار الصراع الفكري الفلسفي بين العقليين والتجريبيين، ويبتعد كل البعد عن الطرح العلمي المؤسس لموضوع طبيعة الإدراك الحسي، فهذه الأخطاء مشتركة بين جميع العوامل التي تقوم عليها العملية الإدراكية.