أفضل مقالة استقصائية حول موضوع علاقة اللغة بالفكر.

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية
الحجم

 السؤال:

قيل "أن الفكر هو التركيب اللفظي لا أكثر ولا أقل". دافع عن صحة هذه الأطروحة.

فهم السؤال:

الفكر هو التركيب اللفظي أي الفكرة هي العبارة. منطق الأطروحة التي يجب الدفاع عنها هو موقف الاتجاه الأحادي.

الفكر شيء يقابله التركيب اللفظي كشيء آخر، منطق أطروحة الخصوم الذي يجب نقده والرد عليه، موقف الاتجاه الثنائي.



أفضل مقالة استقصائية حول موضوع علاقة اللغة بالفكر.


الطريقة استقصاء بالوضع.

طرح المشكلة:

الفكر هو النشاط الذهني القائم على إصدار الأحكام وتصور المعاني، وأدوات التفسير و التأويل من تحليل وتركيب، أما اللغة فلا تزيد عن النظام الرمزي الوضعي الاصطلاحي الذي أبدعه الإنسان للتعبير عن أفكاره، لذا فقد شاع بين عامة الناس أن قدرتنا على الفهم والتفكير لا تتناسب مع قدرتنا على التعبير والتبليغ، وهو تصور يتجاهل دور اللغة في إبراز الأفكار ونقلها من حيز الكتمان إلى حيز التواصل والتفاعل الاجتماعي، فكيف يمكننا إثبات صحة الأطروحة القائلة: أن الفكر واللغة شيء واحد؟ وما هي الحجج التي تؤكد مشروعيتها وقابليتها للدفاع؟

محاولة حل المشكلة:

عرض منطق الأطروحة: 

يرى أغلب اللسانيين المعاصرين "دولاكروا هيغل ميرلوبونتي دو سوسير…" أن اللغة والفكر شيء واحد، ولا أسبقية لأحدهما عن الآخر، وهما أشبه ما يكون بوحدة عضوية غير قابلة للانفصال، فلا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر، يقول دي سوسير" إن الفكر هو وجه الصفحة، بينما الصوت هو ظهر الصفحة، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر، وبالمثل لا يمكن في مضمار اللغة، فصل الصوت عن الفكر أو فصل الفكر عن الصوت." ومما يؤكد صحة هذا الأمر:

أن اللغة تبرز الفكر وتوضحه وتكشف معانيه وتطوره، وهي التي تحققه وتخرجه من حيز الكتمان إلى حيز التصريح، ولولاها لبقي حبيس نفس صاحبه، وهي التي تمنحه طابعا اجتماعيا موضوعيا، بحيث تنقله من طابع الانفعالي الذاتي، ليصبح معرفة إنسانية قابلة للانتقال بين الأفراد، ويقول فيخته في هذا الصدد: "إن اللغة تلازم الفرد في حياته وتمتد إلى أعماقه وتبلغ أخفى رغباته، إنها الرابطة الوحيدة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان"، هذا ويرفض ميرلوبونتي اعتبار الكلام مجرد علامة على وجود الفكر مثلما الدخان علامة على وجود النار؛ بل إنّ العلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تداخل فكلا منهما محتوى في الآخر يقول "ميرلو بونتي": "الفكرة تؤخذ من العبارة، والعبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة" كما ينفي وجود فكر خالص ، بل يعتبره وعيا فارغا فيقول : " ليس الفكر " باطنيا" ولا وجود له خارج العالم وبعيد عن الكلمات.


الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية:

الأطروحة القائلة بأن الفكرة هي عباراتها أطروحة صحيحة يؤكدها المنطق والواقع، فقد أكدت بعض دراسات علماء النفس، أن الطفل يكتسب المعاني والأفكار والصور الذهنية حين يتعلم اللغة، فهو يتعلم اللغة في نفس الوقت الذي يتعلم فيه التفكير، والنمو اللغوي مرتبط بالنمو الفكري، ذلك ما أكدته تجارب اللغوية الروسية فيجوتسكي، حيث أكدت أن نمو فكر الطفل ولغته يكونان متوازيين لمدة سنتين، ثم يصبحان متطابقان بعد ذلك، بمعنى لهما نفس النمو، ثم إن فقدان القدرة على التعبير يوازيه فقدان في التوازن النفسي والعقلي، وهذا ما أثبتته بعض الأبحاث التي قام بها علماء النفس، والتي تؤكد على انحطاط الفكر عند فاقدي اللغة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبمجرد أن يتمكن هؤلاء من لغة معينة إشارية أو صوتية، ينمو فكرهم نموا سريعا، يؤكد ذلك كودنياك حين يقول: "إن فن التفكير يرتد إلى فن إتقان الكلام".


الرد على الخصوم:

العلاقة بين الفكر واللغة فيما يرى أنصار الاتجاه الثنائي علاقة انفصال و تمايز، ولا يوجد أي تناسب بين الأفكار وما يقابلها من ألفاظ، فما يملكه الفرد من أفكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات، يقول هنري برغسون" أعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا" ويقول أيضا" اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر".

والتجربة الذاتية التي يعيشها كل إنسان تكشف أنه كثيرا ما يشعر بسيل من الخواطر والأفكار تتزاحم في ذهنه، لكنه يعجز عن التعبير عنها، لأنه لا يجد إلا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيانها، ثم إن ماهية الفكر فردية وذاتية، وهو تلقائي حر غير خاضع لقواعد نحوية وصرفية، كما أنه فيض من المعاني والتصورات المتصلة، "الديمومة"، فهو لا يتوقف عن الجريان وغير محدود، كنهر هيراقليطس، أما اللغة فهي ظاهرة اجتماعية وموضوعية عبارة عن كلمات وألفاظ منفصلة ساكنة محددة الإشارات، وعندئد فوضع الأفكار في قوالب لغوية جاهزة يفقدها حيويتها وأصالتها، و يعيق تطور الأفكار يقول لامارتين " إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تهوى في داخلها النيران".

ما يؤاخذ على الاتجاه الثنائي، هو القول الفصل التام بين اللغة والفكر، فإذا كان الفكر سابق من الناحية النظرية والمنطقية فهو ليس سابق عنها من الناحية الفعلية أو الزمنية، لأننا نفكر ونتكلم في نفس الوقت، كما أن المبالغة في تمجيد الفكر وتعاليه عن اللغة، جعل منه نشاطا أخرسا، وكثير ا ما يكون العيب في من يستعمل اللغة خاصة إن كان فاقدا للرصيد اللغوي، فالمعنى الواحد قد نعبر عنه بعدة ألفاظ وكلمات بشكل خاص في اللغة العربية، يقول حافظ أبراهيم فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتصنيف أسماء لمخترعات.

حل المشكلة:

رغم الإختلاف القائم من جهة الطبيعة  بين اللغة والفكر، إلا أننا لا نتصور وجد وسيلة فعلية لظهور الفكر غير اللغة التي تعبر عنه، فهما يشكلان كلا متجانسا لا يقبل التجزئة، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الظواهر النفسية الأخرى، يقول ماكس مولر"ليس ما ندعوه فكرا إلا وجها من وجهي  القطعة النقدية والوجه الآخر هو الصوت المسموع والقطعة شيء واحد غير قابل للتجزئة"، ما يؤكد مشروعية الأطروحة القائلة بأن الفكرة هي عباراتها وقابليتها للدفاع والتبني.


google-playkhamsatmostaqltradent