نص السؤال:
قارن بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية
طرح المشكلة
في الكثير من الأحيان نستعمل مصطلح مشكلة للتعبير عن قضايا تختلف
أنواعها ومضامينها، فقد تكون قضايا واقعية مادية محسوسة، كما قد تكون قضايا معنوية
ومسائل متداخلة معقدة ومبهمة، كأنها معضلة فكرية وقضايا لا حل لها، هي أقرب إلى
الإشكالية الفلسفية، بناء على هذا التداخل والارتباط بين المشكلة العلمية
والإشكالية الفلسفية نطرح التساؤل التالي: ما الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية
الفلسفية؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟
محاولة حل المشكلة
أوجه الاختلاف:
تختلف الإشكالية الفلسفية عن المشكلة العلمية في مستويات عدة، فمن
جهة التعريف يمكن القول عن المشكلة العلمية انها المسألة التي يطلب حلها بالطرق
العلمية أو العقلية، في حين أن حقيقة الإشكالية الفلسفية تتمثل في كونها قضية يمكن
الإقرار فيها بالإثبات او النفي أو هما معا. مجال الإشكالية الفلسفية يرتبط بما
وراء الطبيعة أو القضايا المعقولة المجردة "الميتافيزيقا"، يقول
أفلاطون: "الفلسفة هي البحث عن العلل الأولى للوجود". أما المشكلة
العلمية فإن مجال بحثها هو القضايا المادية المحسوسة كالحركة والطاقة
تتناول المشكلة
العلمية قضايا محدودة وجزئية قبل الوصول إلى الأحكام العامة الكلية، أما الإشكالية
الفلسفية فتتناول قضايا عامة كلية شاملة مثل الحرية والمسؤولية، يقول أرسطو لا علم
إلا بالكليات ، لذا فإن المنهج المناسب لدراسة الإشكالية الفلسفية هو المنهج
العقلي القائم على التأمل والنظر العقلي، يقول هسرل: “من أراد أن يكون فيلسوفا
فعليه أن ينطوي على نفسه وينسحب داخلها”، أما المشكلة العلمية فتعتمد على المنهج التجريبي
القائم على الملاحظة والفرضية والتجربة، يقول برنارد الملاحظة توحي بالفكرة
والفكرة تقود إلى التجربة والتجربة تحكم بدورها على الفرضية”.
أوجه الاتفاق والتشابه:
بعد التأمل في طبيعة المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية ندرك أن
اختلافهما لا يعني بالضرورة انتفاء التشابه بينهما، فهما في حاجة إلى موضوع محدد
ومنهج منظم ، بالإضافة إلى مجموعة من الأسس والمبادئ، كلاهما يعد مصدرا و سبيلا
للمعرفة لدى الإنسان، كلاهما وسيلة المجتمعات نحو بناء منتوج ثقافي وحضاري يراعي
خصوصيتها من جهة، و يضمن لها الرقي وعدم الذوبان في الآخر أو الاحتياج إليه،
كلاهما يثير في الإنسان الحيرة الفكرية والدهشة الخلاقة “الدهشة والإحراج” التي
توقظه من غرور الجهل، وتولد لديه الرغبة في المعرفة والبحث والتعلم، يقول كارل
ياسبرس "يشعرني الاندهاش بجهلي فيدفعني إلى المعرفة"،
كلاهما يطرح على شكل استفهام، يقول غاستون باشلار: "كل معرفة في نظر الروح
العلمية جواب عن سؤال، وإذا لم يكن هنا سؤال فلا حديث عن الروح العلمية” كلاهما
خاصية إنسانية تدل على عظمة الإنسان وقوة خياله، وقدرته على الإبداع والابتكار في
مجال علاقة الإنسان بنفسه والآخرين من جهة، والطبيعة من جهة أخرى.
أوجه التداخل:
إذا كانت هناك أوجه اختلاف بين المشكلة العلمية و الإشكالية
الفلسفية، وأخرى للتشابه فإن العلاقة بينهما أقرب للتكامل الوظيفي بينهما، ذلك أن
المشكلة العلمية هي نتاج الإشكالية الفلسفية، بل أن الحيرة الفلسفية في الماضي قد
ولدت حيرة علمية، مثال ذلك شكل الأرض، أصل الكون ظل تحت رحمة التصورات الفلسفية،
قبل أن يصبح علما قائما بذاته حاليا، يقول إدموند غوبلو: "لقد عملت الفلسفة
على تلوين سائر العلوم، فغذتها في حجرها حتى تكاملت وتحررت ".لا يتوقف
التكامل في هذا المجال بل يتجاوزه إلى اعتبار العلم في حد ذاته موضوعا للفلسفة
المعاصرة، في إطار ما يعرف بفلسفة العلوم التي هي في حقيقتها دراسة نقدية للعلم
يقول المفكر الفرنسي لوي ألتو سير: "لكي تولد الفلسفة أو تتجدد نشأتها لا بد
لها من وجود العلوم".
حل المشكلة
بعد التحليل العميق لطبيعة العلاقة بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية، يبدو لي أنه كلما اتسع الاختلاف زادت نسبة التداخل بينهما، وقد سئل برتراند راسل: يوما عن الفرق بينهما؟ فأجاب:" أعتقد أن الفرق الوحيد بين العلم والفلسفة هو أن العلم هو ما تعرفه أكثر أو أقل والفلسفة هي ما لا تعرفه، الفلسفة هي ذلك الجزء من العلم الذي يختار الناس في الوقت الحاضر أن يكون لديهم آراء حوله، ولكن ليس لديهم معرفة به. ولذلك فإن كل تقدم في المعرفة يحرم الفلسفة من بعض المشاكل التي كانت تعاني منها في السابق. وهكذا، إذا كانت هناك أية حقيقة، فيترتب على ذلك أن عددًا من المشكلات التي كانت تخص الفلسفة لم تعد تنتمي إلى الفلسفة وستصبح تنتمي إلى العلم".