تحليل نص فلسفي حول الفرق بين اللغة لدى الإنسان والحيوان "روني ديكارت"

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية



النص
 ثم إنه يمكن أيضا معرفة الفرق بين الإنسان والحيوان، إذ من الملاحظ أنه ليس في الناس، ولا ... أستثني البلهاء منهم، من هم من الغباوة والبلادة بحيث يعجزون عن ترتيب الألفاظ المختلفة بعضها مع بعض، وعن تأليف كلام منها يعبرون به عن أفكارهم، في حين أنه لا يوجد حيوان يستطيع أن يفعل ذلك مهما يكن كاملا، وظروف نشأته مواتية. وهذا لا ينشأ عن نقص في أعضاء الحيوانات، لأنك تجد العقعق والببغاء يستطيعان أن ينطقا ببعض الألفاظ مثلنا، ولكنك لا تجدهما قادرين مثلنا على الكلام، أعني كلاما يشهد بأنهما يعيان ما يقولان، في حين أن الناس الذين ولدوا صما بكما، وحرموا الأعضاء التي يستخدمها غيرهم للكلام، كحرمان الحيوانات أو أكثر، قد اعتادوا أن يخترعوا من تلقاء أنفسهم إشارات يفهمها من يجد الفرصة الكافية لتعلم لغتهم، لوجوده باستمرار معهم. وهذا لا يدل على أن الحيوان أقل عقلا من الإنسان فحسب، بل يدل على أنه لا عقل له البتة، لأنّنا نرى أن معرفة الكلام لا تستلزم إلا القليل من العقل. ولما كان من الملاحظ أن بين أفراد النوع الواحد من الحيوان تباينا كتباين أفراد الإنسان، وأن بعضها أيسر تدريبا من بعض، كان من البعيد عن التصديق أن قردا أو ببغاء من أكمل أفراد نوعه لا يساوي في ذلك أغبى طفل، أو على الأقل طفلا مضطرب المخ، إلا إذا كانت نفس الحيوان من طبيعة مغايرة كل المغايرة لطبيعة نفوسنا. فيجب علينا إذن ألا نخلط بين الكلام والحركات الطبيعية، التي تدل على الانفعالات، التي يمكن للآلات أن تقلدها، كما تقلدها الحيوانات ولا أن نعتقد، مع بعض الأقدمين، أن الحيوانات تتكلم، وإن كنا لا نفهم لغتها. لأنه لو كان ذلك صحيحا لكان في استطاعتها أيضا، ما دام لها كثير من الأعضاء المشابهة لأعضائنا، أن تفهمنا ما يختلج في صدورها كما تتفاهم وأبناء جنسها                                         روني ديكارت.
المطلوب: اكتب مقالة تعالج فيها مضمون النص
تحليل نص فلسفي حول الفرق بين اللغة لدى الإنسان والحيوان روني ديكارت
 تحليل نص فلسفي


شرح المعاني التي يتضمنها النص
رَجُلٌ أَبْلَهُ : مَنْ كَانَ بِعَقْلِهِ ضَعْفٌ ، أَحْمَقُ رَجُلٌ أَبْلَهُ لاَ يَعْرِفُ مَا يُخْرِجُ مِنْ أُمِّ دِمَاغِ 
مَعْتُوهٌ : ناقص العقل من غير جنون ، ليس في وضع عقليّ سليم ، غير مُؤَهَّل عقليًّا 

طرح المشكلة: 

يتناول النص الماثل أمامنا موضوعا قديما يتمثل في مدى مشروعية حصر اللغة في إشارات وأصوات الإنسان، حيث تعد اللغة مبحثا هاما لفلسفة المعرفة كونها الوسيلة الوحيدة التي تنقل الانفعالات والأفكار والعواطف من الداخل إلى الخارج، وبالنظر إلى هذا الدور الذي تلعبه اللغة في حياة الكائن فقد اختلفت المدارس اللسانية قديما وحديثا فيما إذا كان للحيوان لغة تماثل لغة الانسان. فمنهم من رأى ان اللغة خاصة بالإنسان وحده في حين رأى فريق آخر أن اللغة مشتركة بين الإنسان والحيوان وفي خضم هذا الصراع حاول الفيلسوف العقلاني الفرنسي روني ديكارت 1596/1650 أن يبدي رأيه في الموضوع من خلال اجابته عن السؤال التالي: ما الفرق بين اللغة لدى الإنسان ونظيرتها الحيوانية؟ وهل يمكن أن نصف الإشارات الصادرة عن الحيوان بكونها لغة؟

محاولة حل المشكلة:

موقف صاحب النص:

 يرى ديكارت بضرورة تصحيح الفكرة الشائعة التي يعتقد بها السلوكيين وبعض الفيزيولوجيين القائلة بامتلاك الحيوان للغة مماثلة للغة الإنسان عيبها الوحيد يكمن في عدم قدرة الانسان على فهمها وفك رموزها، فهو تصور عار من الصحة كونه لا يفرق بين الإشارات الطبيعية الحيوية والأصوات الاصطلاحية القائمة على الوضع والقصد في الاستعمال فمن الواجب أن نخص الكلام الإنساني وحده باللغة دون غيره من أنواع التعبير، نفهم هذا من قوله: ( فيجب علينا أن لا نخلط بين الكلام والحركات الطبيعية التي تدل على الانفعالات التي يمكن للآلات أن تقلدها كما تقلدها الحيوانات).

حجج وبراهين صاحب النص: 

اعتمد روني ديكارت على الحجة العقلية عندما قارن بين الإنسان والحيوان مهما كانت القدرات الذهنية لهذا الانسان متدنية كأن يكون أبلها أو غبيا او بليدا فبإمكانه تأليف أفكارا والتعبير عن مواقفه وتصوراته غير أن هذا السلك متعذر لدى الحيوان ولو تعلق الأمر بأذكى الحيوانات وأكثرها قدرة على التطور، بل يذهب أبعد من هذا حين ينظر في سلوك طائر العقق والببغاء فيجد لديهما قدرة شبيهة بما لدى الإنسان لكن سرعان ما يستدرك وينفي وعيهما بما يرددان ويكرران، وفي سبيل اثبات موقفه يوضح لنا كيف انه بإمكان الانسان أن يبتكر نسقا لغويا متكامل يتضمن أصواتا وإشارات كما هو الشأن بالنسبة للإشارة التي تستعملها فئة الصم البكم: فحين أن التعبير لدى الحيوان لا يعد نسقا ولا يضاهي منظومة الإنسان اللغوية لقيام هذه الأخيرة على العقل وكأن نفي اللغة عن الحيوان يعود في الأساس إلى عدم ارتباطها بالوعي والعقل.

الصياغة المنطقية للحجة: 
 - إما أن يقتصر مفهوم اللغة على الانسان أو يشترك فيها مع الحيوان. 
- لكن إذا تكلم الحيوان فرضا فهو لا يعي ما يصدر عنه من أصوات. 
- إذن اللغة مقصورة على الإشارات و الأصوات التي يستعملها الانسان للتواصل. 

نقد وتقييم النص:

 شرع ديكارت في الرد عمن يدعون إلى وصف سلوكيات الحيوانات باللغة وقد أفحم منطقهم وألجم موقفهم من خلال الربط بين الوعي والأصوات، أما عن حصر اللغة وقصرها على الإنسان فلا شك في ذلك كون استعمالها يخرج عن إطار الغريزة وحفظ البقاء كما هو لدى الحيوان بل أن هذه اللغة تمكنه من الانتقال بين مختلف الأزمنة بين الحاضر والمستقبل والماضي ولا يمكن تحليل الإشارة الصادرة عن الحيوان ولا أعادة توظيفها في نسق آخر من الكلمات، بينما يملك الإنسان حرية تفكيك اصواته وتوظيفها في جمل جديدة ذات معاني مختلفة.

الرأي الشخصي: 

بالنظر إلى الفرق الكمي بين الإنسان والحيوان في رصيد الأصوات والإشارات وبالنظر إلى الوظائف المنوطة باللغة في حياة الإنسان بين ما هو فكري ونفسي واجتماعي تنظيمي ونظرا إلى الدور الذي يلعبه العقل في النسق اللغوي لدى الانسان، وخاصية الإبداعية التي تتضمنها هذه اللغة، فإنه لا يسعنا إلا أن نقول أن اللغة تظل خاصية إنسانية وأنه الوحيد القادر على الكلام.

حل المشكلة:

وعليه نستنتج أن القول بلغة الحيوان، ما هو إلا قول مبالغ فيه لكلمة لغة فهو مجرد استعمال مجازي فقط لا يعبر عن حقيقة الإشارات والاصوات لدى الحيوان، حيث لا ترقى هذه الأخيرة إلى مستوى اللغة الإنسانية العاقلة والمعبرة عن ماهية الإنسان وكيانه الواعي، ولو امتلأ عالم الحيوان بالإشارات والأصوات.
google-playkhamsatmostaqltradent