مقالة حول الشعور واللاشعور

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال


قيل ان "مدرسة التحليل النفسي ترفض المطابقة بين النفس والشعور" مارايك ؟

مقالة حول الشعور واللاشعور
 الشعور واللاشعور




الطريقة: جدلية

طرح المشكلة:


مدرسة التحليل النفسي هي مدرسة نفسية معاصرة، تعنى بدراسة الظواهر النفسية، ظهرت على أنقاض المدرسة الاستبطانية التأملية في علم النفس، والتي ترد الحياة النفسية لدى الإنسان باختلاف أحوالها وظروفها إلى الوعي والشعور، بينما يرفض التحليل النفسي ذلك ويذهب إلى افتراض جانب آخر لا نعيه لكنه يؤثر فينا، فهل بإمكان هذا الشعور أن يطلعنا على جميع أحوالنا النفسية ؟ أم أن هناك جانبا مظلم من أنفسنا لا نعيه رغم تأثيره على سلوكنا ؟ أو بعبارة أخرى هل كل ما هو نفسي شعوري بالضرورة ؟

محاولة حل المشكلة:


عرض القضية:

كل ما هو نفسي شعوري بالضرورة، هذا ما ذهب إليه كلا من ديكارت و لالاند الذي وصف الشعور بأنه ” حدس الفكر لأحواله وأفعاله ”، ليكون الشعور بهذا، هو ذلك الوعي الذي يصاحبنا دوما عند القيام بأي سلوك أو عمل، الإنسان يعرف نفسه ويستطيع الحكم عليها وعلى أحوالها وأفعالها، مما يعني المطابقة التامة بين النفس والشعور.

مما يؤكد ذلك أن الإنسان مجرد هكذا مجرد وروح وأعضاء وبالتالي ستكون الظواهر إما عضوية فيزيولوجية، أو روحية شعورية واعية ، وقد عبر ديكارت عن هذا بشكل صريح ومباشر حين قال ” ليس هناك حياة نفسية خارج الروح سوى الحياة “الفيزيولوجية ” ، ولو تأملنا هذه الروح لوجدناها دائمة التفكير في أفكارها بحيث لا تنفلت عنها أي شاردة أو واردة، بل لعل الأمر أعمق من ذلك، حيث أن دليل وجودها هو وعيها وتفكيرها كما قال نص على ذلك كوجيتو ديكارت الشهير ” أنا أفكر إذن أنا موجود ” أيضا هذا الوعي الذي يستمر ويتواصل بحيث يضعف أو يقوى وينتقل بصاحبه من حب إلى بغضاء ومن أمل إلى ألم لكنه لا يفارقه أبدا، ولعل أقوى دليل يؤكد التطابق بين النفس والشعور هو عدم إمكانية تصور وجود نفس لا تشعر أو عقل ولا يعقل، كل هذا يؤكد أن ما هو نفسي سيكون شعوريا بالضرورة.

نقد القضية:

غير أن هذا الموقف يفسر بعض الجوانب النفسية المحدودة والمعروفة فقط، بينما يعجز عن تفسير الحالات غير المألوفة أو المعروفة الأخرى التي يتعرض لها الإنسان في حياته فلا يوجد شيء يؤكد أن الحياة النفسية هي كلها شعورية ، خاصة إذا تعلق الأمر بالاضطرابات المرضية في الحياة العقلية ، والتي لابد من ربطها بجانب خفي يشكل الحياة النفسية ويؤثر فيها دون وعينا به.








عرض نقيض القضية:


ليس كل ماهو نفسي سيكون بالضرورة نفسي كما يرى أنصار مدرسة التحليل النفسي وعلى رأسها طبيب الأعصاب النمساوي ” سيغموند فرويد 1859 / 1936 ” الذي افترض وجود جانب آخر هو أكثر أهمية من الشعور ترد إليه كل سلوكياتنا وتصرفاتنا وهو” اللاشعور”

ومما يؤكد هذا وجود الجانب اللاشعوري في نظر التحليل النفس هو بعض الأعراض التي عجز الشعور عن فهمها وتفسيرها سواء كانت طبيعية كزلات القلم وفلتات اللسان والأحلام أ كانت مرضية كالاضطربات المرضية في الحياة العقلية، وقد مكنه التداعي الحر من إدراك العلاقة بين هذه الأعراض والنشاطات اللاشعورية، ذلك أن النشاطات الشعورية لا تشكل أعراض عصبية، فمن خلال تركيزه على تجارب الطفولة لدى المريض، والدوافع الحيوية لدى المريض إضافات إلى الذكريات المكبوتة استنتج أن أغلب سلوكات الإنسان هي ترد بالأساس لاشعورية حيث يقول فرويد في هذا السياق ‘ إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة ”.

نقد نقيض القضية:


غير أن النتائج التي توصل إليها فرويد وبالرغم من قيمتها العملية في فهم بعض الإضطرابات المرضية في الحياة النفسية إلا أنها تعرضت إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراؤه المتعصبة لسيطرة اللاشعور واللبيدو على حياة الإنسان مما جعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الاختيار كما تصور الوجوديون، غير أن ابنته ” آنا فرويد ” وتلميذه ‘ ادلر وكارل غوستاف كانوا أكثر من انتقده في هذا الجانب، بالاضافة إلى الطابع الأسطوري السردي الذي طغى على فكرته المتعلقة باللاشعور.

التركيب:

يبدو أن الرأي السليم والأقرب للصواب والمنطق هو الذي يقر بأن الحياة النفسية لدى الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا، مع تجاوز الصراع الذي ينسبه فرويد للشعور والدونية التي يصف من خلالها اللاشعور بل هما متكاملان حيث يساعد الشعور على معرفة حقيقة النفس الإنسانية وتوازنها، بينما يكون اللاشعور طاقة روحية نحو التقدم والإبداع .

حل المشكلة


وهكذا نستنتج أن المطابقة التامة بين النفس والشعور لم ترقى بالإنسان إلى فهم ذاته وحوادثها فهما تاما، ولم يتسن له ذلك ولو بشكل نسبي إلا بعد إقراره بوجود جانب آخر هو اللاشعور، حينها فقط تمكن من تفسير حالاته النفسية المختلفة الطبيعية والمرضية، كما استطاع أيضا التأقلم مع محيطه الخارجي.

google-playkhamsatmostaqltradent