السؤال:
قيل أن: " التحليل النفسي جعل من الظواهر النفسية ظواهر علمية " دافع عن هذه الأطروحة
فهم السؤال:
الأطروحة موقف التحليل النفسي: الظواهر النفسية ظواهر علمية تفضي دراستها إلى نظريات مؤكدة.
الأطروحات المعارضة للتحليل النفسي. (وتحديدا موقف كارل بوبر و ستكال): النتائج المتوصل إليها لا ترقى إلى مستوى النظرية العلمية وإنما تظل مجرد طرح فلسفي يفتقر إلى ما يؤكده.
طرح المشكلة:
شاع بين عامة الناس أن فرضية اللاشعور التي حاولت أن تفسر الحياة النفسية لدى الإنسان لا تخرج عن دائرة الأطروحات الفلسفية التي لا تحظى بالإجماع، غير أن هذا الموقف يتجاهل القيمة العلمية لفرضية اللاشعور الفرويدية، وأثرها على الحياة النفسية، مما يوحي بأنها فرضية لازمة ومشروعة، بل هي نظرية علمية غير قابلة للرفض، فكيف يمكننا التأكيد على صحة الأطروحة القائلة " التحليل النفسي جعل من الظواهر النفسية ظواهر علمية " ؟ وما هي الحجج التي تثبت مشروعيتها؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة:
يرى أنصار مدرسة التحليل النفسي (سيجموند فرويد، ألفريد أدلر، كارل غوستاف يونغ ) أن اعتماد منهجهم في فهم الحياة النفسية يجعل الظواهر النفسية ظواهر علمية، حيث يقول سيجموند فرويد: " إن تقسيم الحياة النفسية إلى ما هو شعوري وما هو لا شعوري هو الفرض الأساسي الذي يقوم عليه التحليل النفسي، وهذا التقسيم وحده هو الذي يجعل من الممكن للتحليل النفسي أن يفهم العمليات المرضية في الحياة العقلية - وهي أمور شائعة كما أنها هامة - وان يجد لها مكانا في إطار العلم ".
ومما يؤكد موقف المدرسة أن العلم مشروط بتحديد موضوع محدد قابل للدراسة العلمية، وهذا ما قام به فرويد بعد أن قسم الحياة النفسية إلى ما هو وماهو لا شعوري، لم يكتف سيجموند فرويد بذلك لكنه قسم الجهاز النفسي لدى الإنسان إلى ثلاثة قوى متصارعة هي الأنا الأعلى والهو والأنا لتخلق العقد وتولد الأزمات والأمراض النفسية، أقر سيجموند فرويد أن الحياة النفسية تخضع لمبدأ علمي لا يقوم العلم دون الإيمان به وهو مبدأ الحتمية، يضاف إلى هذا جميعا النتائج التي حققها منهج التحليل النفسي وهي نتائج هامة جدا، فقد نجح هذا المنهج في علاج الكثير من الاضطرابات العقلية مثل حالات الهستيريا والعصاب مما يعني بأن ما قدمه فرويد في مجال علم النفس يعد عملا علميا يستحق التقدير والاحترام.
الدفاع عنها بحجج شخصية:
الأطروحة القائلة " التحليل النفسي جعل من الظواهر النفسية ظواهر علمية " يقبلها العقل ويصدقها الواقع، فمن حيث الشكل تظهر لنا مؤسسة على حجج غير قابلة للرفض، وبالفعل فقد قدم فرويد منهجا علميا قائما بذاته أطلق عليه التحليل النفسي بعد ملاحظاته السريرية الكثيرة وما أعقبها من فرضيات وتجارب، حيث ينطلق من التداعي الحر ليتوصل إلى نزع مقاومة الأفكار اللاشعورية، ومنه إلى التنفيس عن المكبوتات في ساحة الشعور، أما من حيث المضمون فهو موافق للواقع حيث نلاحظ أن معظم العيادات حاليا تعالج مرضاها وفق طريقة التداعي الحر التي أثبتت - كما ذكرنا آنفا - جدواها وفاعليتها في استخراج المكبوتات وفهم الاضطراب ثم علاجه، وبعد أن كان ميؤسا من المجرمين والمنحرفين، أضحى بالإمكان علاجهم، كما أصبح الفاشلين والمنبوذين من المجتمع أفرادا صالحين ومؤثرين داخل المجتمع بعد مساعدتهم على اكتشاف الأنشطة اللاشعورية التي تؤثر في سلوكاتهم. وفي تأكيده على الترابط بين العلة والمعلول في الحياة النفسية قال سيجموند فرويد: " النشاطات الشعورية لا تولد أعراض عصبية والنشاطات اللاشعورية بمجرد أن تصبح شعورية فإن أعراضها تزول".
الرد على الخصوم:
يرى بعض الابستمولوجيين و السيكولوجيين أمثال كارل بوبر و ستيكال أن فكرة سيجموند فرويد حول التحليل النفسي لا تخرج عن دائرة الافتراض الفلسفي البعيد كل البعد عن الطرح الفلسفي، يقول ستيكال " لا أومن باللاشعور، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى لكن بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة، وجدت أن كل الأفكار المكبوتة إنما هي تحت شعورية، وأن المرضى يخافون رؤية الحقيقة "، فقد أنكر اللاشعور بنفس المنهج الذي اعتمد في أثبته، أى بالتجارب والبحوث العلمية، أما كارل بوبر فقد أثبت أن نظريات فرويد في مجال التحليل النفسي تم تقييمها بطريقة لا تعتمد على التجربة والاختبار، وهو يعني بذلك أن تلك المشاهدات السريرية والتي يعتقد المحللون بسذاجة أنها تؤكد نظرياتهم ليس بإمكانها أن تحقق ذلك أكثر من التوكيدات اليومية التي يجيدها المنجمون في ممارساتهم.
لكن رفض اللا شعور أو التقليل من قيمته لا يخلو من المبالغة فكيف نفسر النجاح الذي حققته هذه المدرسة في تفسير الاضطرابات العقلية في الحياة النفسية التي عجز الشعور عن تفسيرها؟ وكيف يمكن أن يتم علاج هذه الحالات دون معرفة هذه العقد النفسية، ثم إذا كانت غريزة الجنس من أقوى الغرائز لدى الإنسان فلا شك أن كبتها وحبسها وقمعها بشكل دائم ومستمر، سيؤدي إلى عقد نفسية تظهر في أعراض لا شعورية، بل لعل الإقرار بعدم علمية التحليل النفسي لا يخلو من المبالغة والتطرف، حتى أن البعض يتهم الرافضين له بالكبت والقمع الذاتي الذي يحتاج هو نفسه إلى علاج وفق نفس المنهج.
حل المشكلة:
بناء على منطق التحليل يبدو لنا أن الأطروحة القائلة:" التحليل النفسي جعل من الظواهر النفسية ظواهر علمية " أطروحة صحيحة ومشروعة تتوفر على مقدمات تدعمها ودلائل تؤكد قابليتها للدفاع والتبني.