تحليل نص فلسفي ل بيار دو كسي
طرح المشكلة:
يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن مجال فلسفة المعرفة، فهو يعالج موضوع يتعلق بتاريخ الفكر الفلسفي، و بعبارة أدق مستقبل الفلسفة والمهام المنوطة بها في عصرنا هذا، فقد نال هذا الموضوع قدرا كبيرا من اهتمام الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وكان ممن خاض فيه المفكر الفرنسي المعاصر بيار دو كسي الذي أراد أن يعكس قلقه حول واقع الفلسفة من خلال اجابته عن سؤال مفاده: هل يمكن للفلسفة المعاصرة أن تؤثر في واقع الإنسان؟ وهل يعني هذا ضرورة التخلي عنها؟
محاولة حل المشكلة
موقف صاحب النص:
يرى بيار دوكسي أن الفلسفة المعاصرة قد تخلت عن الكثير من وظائفها الأساسية فقد تجاهلت التعبير عن انشغالات الفرد وهمومه وقلقه حول مستقبله ومصيره ومشكلاته الوجودية، كما تراجع دورها الريادي على مستوى الواقع الاجتماعي ومواكبة تطلعاته، لكن هذا لا يعني ضرورة التخلي عن الفلسفة لصالح العلم، فالفصل بينهما في نظر دوكسي لا يفيد الإنسان في شيء ولا يمنع قلقه أو يشبع متطلباته المختلفة.
حجج وبراهين صاحب النص:
استدل دوكسي على موقفه بالحجة العقلية عندما قارن بين الفلسفات السابقة والفلسفة المعاصرة، حيث يؤكد دور الفلسفات السابقة على المستوى القيمي والروحي والاجتماعي بينما تخلو الثقافة المعاصرة من كل ما له صلة بالقيم الاخلاق وهو ما انعكس على واقع الانسان المعاصر، الذي طغت عليه نزعة مادية مفرطة، وأضحى همه الوحيد هو اللذة الحسية الآنية التي دعا إليها ابيقور قديما، وما انجر على ذلك من تدهور حضاري مأسي وكوارث وحروب ساهم فيها الفراغ الروحي و القيمي مما ولد الشكوك حول مستقبل الفلسفة، ويستعمل نفس الحجة عندما يبين مدى خصوبة التفكير العلمي المعاصر وثراء رصيدها المعرفي وفي المقابل يؤكد عدم تعرض الفكر المعاصر للقضايا التي تهم إنسان هذا العصر وتغير واقعه كما تثري رصيده القيمي والروحي، وعلى العموم فإن الحضارة الإنسانية المعاصرة بقدر ما تحقق من تقدم تقني مادي، إلا ويعقبه تراجع قيمي واخلاقي، بنفس الدرجة بل ربما أكثر، لذا قيل أن تقدم الحضارة الإنسانية هو عودة بالإنسان إلى حياته الطبيعية.
وقد جاء النص على البنية المنطقية التالية:
إذا تخلفت الفلسفة عن مواكبة تطلعات الإنسان تدهور واقعه القيمي.
لكن واقع الإنسان الحضاري متدهور.
إذن تخلفت الفلسفة عن مواكبة تطلعات العصر.
نقد وتقييم النص:
وفق صاحب النص في إثارة الشكوك حول مستقبل الفلسفة المعاصرة، ويعود ذلك إلى انصراف اهتمام الانسان المعاصر عن مجال الفلسفة إلى اهتمامه بالعلم ونتائجه وتقنياته، لكن صاحب النص تجاهل الدعوات التي أطلقتها المذاهب الروحية المعاصرة كالوجودية والشخصانية والحدسية و...... وهي مذاهب جعلت من الجانب الروحي للإنسان موضوعا لها، بعد أن وقفت على نتائج المادية المفرطة التي تتبناها الحضارة الإنسانية المعاصرة.
حل المشكلة
يبدو لي أن هناك خطر محدق بمستقبل الفلسفة لكنه لا يتعلق بتجاهل الفلسفة لواقع الانسان المعاصر بقدر ما يتعلق بالنزعة العلمية (الوضعية الدوغماتية ) المفرطة التي لا تؤمن إلا بنتائج العلم وتقنياته، وهي لا تشكل تهديدا لمستقبل الفلسفة فقط، لكن تهدد مستقبل الإنسانية بشكل عام من خلال التركيز على الماديات وتجاهل المعنويات على الرغم من أهميتها.