نص السؤال:
هل الحقيقة الرياضيات مطلقة أم نسبية؟
فهم السؤال:
الحقيقة الرياضيات مطلقة: أي صحيحة دائما بغض النظر عن الزمان والمكان، حيث يمكن حصر جميع النتائج في نسق واحد.
الحقيقة الرياضيات نسبية: أي أنها صحيحة بالنظر إلى ما بنيت عليه، ومن هنا جاءت فكرة تعدد الانساق.
الطريقة المناسبة هي الجدلية.
مقالة فلسفية |
طرح المشكلة:
الرياضيات علم قديم قدم الحضارات التي عرفها الإنسان ذاتها، وفي حقيقتها فهي ذلك العلم الذي يدرس المقادير المقادير المشخصة والمجردة من خلال صياغتها في قضايا لزم بعضها عن بعض لزوما منطقيا. لذا كانت نتائج الرياضيات من أبرز وأهم المواضيع التي ناقشها الفلاسفة و الابستمولوجيون قديما وحديثا. غير أن هوة الاختلافات اتسعت أكثر في العصر المعاصر مع أنصار حركة النقد الداخلي للأنساق الرياضية التي سخرت أعمالها لإثبات نسبية الحقيقة الرياضية، بينما رأى فلاسفة العصر الحديث أن الحقيقة الرياضيات هي النموذج الأرقى للدقة والمطلقية واليقين. من هنا وسعيا للفصل ورفعا للتعارض بين الموقفين وجب أن نتساءل: هل اليقين الرياضي مطلق أم نسبي؟
عرض القضية:
يرى بعض الرياضيين والفلاسفة العصر الحديث (ديكارت،سبينوزا، كانط، باسكال...) أن اليقين الرياضي مطلق، ونتائجه يقينية ثابتة لا تتأثر بالزمان والمكان. أما الذي يجعل هذه مطلقة فهي المنطلقات والمبادئ التي يعتمدها الرياضي حيث تتميز بالبداهة والوضوح، بالإضافة إلى المنهج البرهاني الاستنتاجي الذي تعتمد عليه، مما يجعلها غير قابلة للشك.
ومن الأدلة والحجج التي اعتمدوا عليها أن مطلقية الحقيقة الرياضيات تعود أساسا لاعتمادها على فكرة البداهة والوضوح. التي لا يعتريها شك أو تغير، بل هي قضايا واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان، وما دامت المنطلقات واضحة ويقينية فلا شك أن النتائج ستكون مطابقة للمنطلقات، هذا ما أكده "ديكارت" حين قال " الرياضيات مثال عن الدقة و الوضوح والبداهة"، الرأي نفسه نجده عند "سبينوزا" الذي أكد بدوره على أنه لا يمكن الشك في البداهة لأن الشك في البديهية يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية التي لا يمكن الشك فيها. ضف إلى ذلك أن المطلقية هنا تقوم على التعريفات المنطقية، حيث يقول كانط: "إن الرياضيات تنفرد وحدها بامتلاك التعريفات التي لا يمكن أن تخطئ أبدا " ، أما تحدثنا عن الهندسة فقد كانت الحقيقة الهندسية على صلة شديد بالمكان الواقعي بحيث لا يمكن تصور وجود حقيقة رياضية خارج المكان المسطح الذي تقوم عليه الهندسة الإقليدية، وهذا ما جعلها تعتمد على نسق واحد ولايمكن تصور غيره، لذا كانت الحقيقة الرياضية يقينية مطلقة وكانت ثابتة أيضا.
نقد القضية:
لا شك أن المنهج الاستنتاجي الذي تعتمد الرياضيات والقضايا التي تقوم عليها تجعلها صحيحة دائما، لكن هل ظلت البديهيات التي تحدث عنها ديكارت كما هي في عصرنا هذا؟ وهل يمكن أن يكون المكان دائما سطحا مستوى؟ وهل يجب أن تحصر الحقيقة الرياضية في الواقع الحسي؟ ماذا عن المسلمات كقضايا غير مبرهنة تقم عليها الهندسة التقليدية؟ بالطبع كل هذه الاسئلة قوضت المطلقية التي تغنى بها فلاسفة و رياضي العصر الحديث، وقد انتقد "روبير بلانشي" المبادئ الثلاثة للهندسة الإقليدية حيث أكد أن التعريفات هي لغوية ولا علاقة لها بالحقيقة الرياضية ولا يمكن الحكم عليها أنها صادقة أو كاذبة....وانتقد كذلك فكرة البداهة واعتبرها خاطئة إذ يقول: "لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات تابعة لاختيار العقل الرياضي الحر".
عرض نقيض القضية:
يرى أغلب الرياضيين المعاصرين (راسل، بوليغان، ريمان، لوباتشيفسكي....) أن نتائج الرياضيات نسبية احتمالية تقريبية، فقد حطم العقل المعاصر فكرة البداهة والوضوح. واستبدلها بالأوليات أو الافتراضات خاصة مع ظهور حركة النقد الداخلي للأنساق الرياضية، و ظهور فكرة النسق الأكسيومي (الافتراضي) مما أدى الى تعدد الانساق
ومن الأدلة والحجج التي اعتمدوا عليها أن العالم الرياضي المعاصر يعتمد في استدلاله على منطلقات ومبادئ هي عبارة عن أوليات و افتراضات وممكنات يسلم بصحتها دون أن يبرهن على ذلك، ثم يلتزم بها في برهانه، وهو ما دفع براسل إلى القول: "الرياضيات هي ذلك العلم الذي لا يعرف عما يتحدث ولا إذا كان ما يتحدث عنه صحيحا ّأم لا". ذلك أن الحقيقة قضايا الهندسة تحديدا انفصلت عن المكان، واستبدلته بميزان منطقي صرف يتمثل في الارتباط والتلازم بين المقدمات والنتائج، هذا المعيار الجديد المعتمد مكن الحقيقة الرياضية من تضمن اختلاف النتائج ( هندسة اقليدس"السطح المستوي" و هندسة ريمان "السطح المحدب" و هندسة لوباتشفسكي "السطح المقعر") دون أن تكون إحداها صحيحة والأخرى خاطئة، وهي صحيحة بالنظر إلى مابنيت عليه من منطلقات وأوليات.
نقد نقيض القضية: لكن ورغم قوة الحجج التي قدمها هذا الموقف إلا أنه لم يسلموا من النقد أيضا، فإذا كان النسق الأكسيومي قد تجاوز النسق الإقليدي فلماذا لا يزال الفكر الإنساني يعتمد الهندسة الاقليدية في البحث العلمي؟ ثم لو تحدثنا عن النسق الاكسيومي فهو لا يتعارض مع المطلقية لأن النتائج الجديدة لا تتناقض مع المقدمات التي انطلقت منها.
التركيب:
نتيجة للانتقادات الموجهة لكل طرف يمكننا القول أن الحقيقة الرياضية مطلقة يقينية وثابتة حيث المنهج وأساليب البرهنة التي تقوم عليها، بل إن هذا الصدق واليقين يفرضه الانسجام بين المقدمات والنتائج، وهي نسبية من حيث النتائج أي من جهة تعدد الأنساق وكثرتها، وإذا كانت هذه الكثرة لا تعني التناقض والاختلاف فيمكننا الذهاب أبعد من ذلك والقول بأنها نسبية لكنها مطلقة في أنساقها الخاصة.
بناء على ما سبق ذكره يمكن القول أن الخلاف بين الطرفين التقليدي والمعاصر لا يخرج عن إطار الخلاف بين النظري والتطبيقي، ولعل مادفع العقل الرياضي إلى افتراض مستويات أخرى تتجاوز الواقع الحسي هو الحاجة التطبيقية "الهندسة في الفضاء" مما يعني أن الرياضيات مطلقة في مبادئها نسبية في تطبيقاتها.
محاولة حل المشكلة
عرض القضية:
يرى بعض الرياضيين والفلاسفة العصر الحديث (ديكارت،سبينوزا، كانط، باسكال...) أن اليقين الرياضي مطلق، ونتائجه يقينية ثابتة لا تتأثر بالزمان والمكان. أما الذي يجعل هذه مطلقة فهي المنطلقات والمبادئ التي يعتمدها الرياضي حيث تتميز بالبداهة والوضوح، بالإضافة إلى المنهج البرهاني الاستنتاجي الذي تعتمد عليه، مما يجعلها غير قابلة للشك.
ومن الأدلة والحجج التي اعتمدوا عليها أن مطلقية الحقيقة الرياضيات تعود أساسا لاعتمادها على فكرة البداهة والوضوح. التي لا يعتريها شك أو تغير، بل هي قضايا واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان، وما دامت المنطلقات واضحة ويقينية فلا شك أن النتائج ستكون مطابقة للمنطلقات، هذا ما أكده "ديكارت" حين قال " الرياضيات مثال عن الدقة و الوضوح والبداهة"، الرأي نفسه نجده عند "سبينوزا" الذي أكد بدوره على أنه لا يمكن الشك في البداهة لأن الشك في البديهية يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية التي لا يمكن الشك فيها. ضف إلى ذلك أن المطلقية هنا تقوم على التعريفات المنطقية، حيث يقول كانط: "إن الرياضيات تنفرد وحدها بامتلاك التعريفات التي لا يمكن أن تخطئ أبدا " ، أما تحدثنا عن الهندسة فقد كانت الحقيقة الهندسية على صلة شديد بالمكان الواقعي بحيث لا يمكن تصور وجود حقيقة رياضية خارج المكان المسطح الذي تقوم عليه الهندسة الإقليدية، وهذا ما جعلها تعتمد على نسق واحد ولايمكن تصور غيره، لذا كانت الحقيقة الرياضية يقينية مطلقة وكانت ثابتة أيضا.
نقد القضية:
لا شك أن المنهج الاستنتاجي الذي تعتمد الرياضيات والقضايا التي تقوم عليها تجعلها صحيحة دائما، لكن هل ظلت البديهيات التي تحدث عنها ديكارت كما هي في عصرنا هذا؟ وهل يمكن أن يكون المكان دائما سطحا مستوى؟ وهل يجب أن تحصر الحقيقة الرياضية في الواقع الحسي؟ ماذا عن المسلمات كقضايا غير مبرهنة تقم عليها الهندسة التقليدية؟ بالطبع كل هذه الاسئلة قوضت المطلقية التي تغنى بها فلاسفة و رياضي العصر الحديث، وقد انتقد "روبير بلانشي" المبادئ الثلاثة للهندسة الإقليدية حيث أكد أن التعريفات هي لغوية ولا علاقة لها بالحقيقة الرياضية ولا يمكن الحكم عليها أنها صادقة أو كاذبة....وانتقد كذلك فكرة البداهة واعتبرها خاطئة إذ يقول: "لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات تابعة لاختيار العقل الرياضي الحر".
عرض نقيض القضية:
يرى أغلب الرياضيين المعاصرين (راسل، بوليغان، ريمان، لوباتشيفسكي....) أن نتائج الرياضيات نسبية احتمالية تقريبية، فقد حطم العقل المعاصر فكرة البداهة والوضوح. واستبدلها بالأوليات أو الافتراضات خاصة مع ظهور حركة النقد الداخلي للأنساق الرياضية، و ظهور فكرة النسق الأكسيومي (الافتراضي) مما أدى الى تعدد الانساق
ومن الأدلة والحجج التي اعتمدوا عليها أن العالم الرياضي المعاصر يعتمد في استدلاله على منطلقات ومبادئ هي عبارة عن أوليات و افتراضات وممكنات يسلم بصحتها دون أن يبرهن على ذلك، ثم يلتزم بها في برهانه، وهو ما دفع براسل إلى القول: "الرياضيات هي ذلك العلم الذي لا يعرف عما يتحدث ولا إذا كان ما يتحدث عنه صحيحا ّأم لا". ذلك أن الحقيقة قضايا الهندسة تحديدا انفصلت عن المكان، واستبدلته بميزان منطقي صرف يتمثل في الارتباط والتلازم بين المقدمات والنتائج، هذا المعيار الجديد المعتمد مكن الحقيقة الرياضية من تضمن اختلاف النتائج ( هندسة اقليدس"السطح المستوي" و هندسة ريمان "السطح المحدب" و هندسة لوباتشفسكي "السطح المقعر") دون أن تكون إحداها صحيحة والأخرى خاطئة، وهي صحيحة بالنظر إلى مابنيت عليه من منطلقات وأوليات.
نقد نقيض القضية: لكن ورغم قوة الحجج التي قدمها هذا الموقف إلا أنه لم يسلموا من النقد أيضا، فإذا كان النسق الأكسيومي قد تجاوز النسق الإقليدي فلماذا لا يزال الفكر الإنساني يعتمد الهندسة الاقليدية في البحث العلمي؟ ثم لو تحدثنا عن النسق الاكسيومي فهو لا يتعارض مع المطلقية لأن النتائج الجديدة لا تتناقض مع المقدمات التي انطلقت منها.
التركيب:
نتيجة للانتقادات الموجهة لكل طرف يمكننا القول أن الحقيقة الرياضية مطلقة يقينية وثابتة حيث المنهج وأساليب البرهنة التي تقوم عليها، بل إن هذا الصدق واليقين يفرضه الانسجام بين المقدمات والنتائج، وهي نسبية من حيث النتائج أي من جهة تعدد الأنساق وكثرتها، وإذا كانت هذه الكثرة لا تعني التناقض والاختلاف فيمكننا الذهاب أبعد من ذلك والقول بأنها نسبية لكنها مطلقة في أنساقها الخاصة.
حل المشكلة:
بناء على ما سبق ذكره يمكن القول أن الخلاف بين الطرفين التقليدي والمعاصر لا يخرج عن إطار الخلاف بين النظري والتطبيقي، ولعل مادفع العقل الرياضي إلى افتراض مستويات أخرى تتجاوز الواقع الحسي هو الحاجة التطبيقية "الهندسة في الفضاء" مما يعني أن الرياضيات مطلقة في مبادئها نسبية في تطبيقاتها.