السؤال:
هل هناك ما يبرر الاعتماد على الاستقراء؟
فهم السؤال
يتعلق السؤال بموقف التجريبين وعلى رأسهم دافيد هيوم من الاستقراء (الاستقراء غير مبرر عقليا ) من جهة.
وموقف العقليين الذي يرى أن الاستقراء مبرر ومشروع وله مايؤكده (مبادئ العقل).
طرح مشكلة :
تعتمد المعرفة العلمية في الوصول إلى قوانينها على الاستقراء، الذي لا يزيد عن كونه استخلاص للقوانين العامة الكلية من الأحكام الخاصة الجزئية، فالفكر هنا يسلك طريقا تصاعديا، حيث ينتقل من الأجزاء ليثبت هذا الحكم على الكل، لكن لعل المهم هنا ليس ضبط مفهوم الاستقراء، بقدر ما يتعلق الأمر بإشكالية تبريره، مما أثار جدلا كبيرا بين التجريبيين (من جهة) و بعض العلماء الوضعيين بالإضافة إلى العقليين (من جهة أخرى) حيث اعتقد الحسيون انه لا يرقى إلى الشرعية المنطقية في حين أكد العقليون ان الانتقال مشروع و منطقي . لذا فهل من مبرر منطقي يؤكد إمكانية تعميم الأحكام الاستقرائية؟ وهل يمكن الحكم على ما لم نشاهده بما شاهدناه ؟ وهل يصح الاستدلال بالحوادث الماضية على حوادث المستقبل؟
محاولة حل المشكلة:
عرض القضية :
يرى بعض الفلاسفة مثل إيمانويل كانط ، بالإضافة إلى بعض بعض العلماء الوضعيين أن الاستقراء له مايبرره، حيث يملك ضمانات تبرر انتقال الحكم من دراسة الحالات الجزئية، وصولا إلى القوانين والأحكام العامة الكلية التي تصدق على حالات مشابهة بغض النظر عن الزمان والمكان استنادا إلى مبادئ العقل.
تمثل مبادئ العقل هاته التي تتميز بالفطرية (مستقلة عن التجربة الحسية) والعموم، في مبدأين أساسيين تقوم عليهما عملية استقراء الظواهر، هما: مبدأ السببية العام الذي يقول ( أن لكل ظاهرة سبب كاف لحدوثها، و لا يمكن تصور ظاهرة بدون سبب)، وما يتفرع عنه من مبدأ الحتمية الذي يقول: أن نفس الأسباب تؤدي حتما و دوما إلى نفس النتائج، فهذه المبادئ ضرورية قبل الإقبال على دراسة الظواهر في الطبيعة، بل هي من البديهيات الواضحة التي لا تحتاج إلى برهان قال بوانكاري"العلم حتمي بالبداهة"، ومن الأمثلة التي تؤكد ذلك، هذا الانسجام والتناسق الذي نشاهده في الظواهر الكونية من حولنا، والتعاقب فيما بينها، ولولا هذا الانسجام والتناسق لما تمكنا من الوصول إلى القانون العلمي العلمي الذي يفسر هذه الظواهر، يقول ألبرت آينشتاين "انه بدون الاعتقاد بأن هناك انسجاما داخليا في العالم ،فإنه لا يمكن أن يقوم العلم "، كما أن الظواهر الطبيعية تتميز بالثبات ولا تقبل الطفرة أو العشوائية بل تحتفظ بخصائصها الأساسية، يقول هنري بوانكاريه:" قانون التعميم لا يصلح تطبيقه إلا إذا كانت الظواهر متشابهة "، بل لعل الأمر يتجاوز هذه المبادئ التي تؤسس لانطباق الفكر مع الواقع إلى انطباقه مع نفسه من خلال مبدأ الحتمية فالباحث مثلا:عند ما يجري تجربة على قطعة من مادة جامدة، ولتكن حجرا فهو يسلم أن هذه القطعة ثابتة في ماهيتها بحيث لن تتغير أبدا، في نفس الوقت الذي تشابه غيرها من المعادن، وقد أكد لابلاس فيما مضى أن الكون هو آلة كبيرة و يمكن التنبؤ فيه بكل ما سوف يحدث مستقبلا, أي ينبغي أن نعتبر الحالة الراهنة للكون أنها نفسها الحالة السابقة ونفسها التي سوف تكون مستقبلا. إذن: الاستقراء مشروع من الناحية المنطقية و يمكن الحكم على ما لم نشاهده انطلاقا مما شاهدناه، حيث تمكن الباحثين من اختزال ذلك الكم الهائل من الظواهر في مجموعة بسيطة من القوانين الفيزيائية التي تتقبلها جميع العقول .
يرى بعض الفلاسفة مثل إيمانويل كانط ، بالإضافة إلى بعض بعض العلماء الوضعيين أن الاستقراء له مايبرره، حيث يملك ضمانات تبرر انتقال الحكم من دراسة الحالات الجزئية، وصولا إلى القوانين والأحكام العامة الكلية التي تصدق على حالات مشابهة بغض النظر عن الزمان والمكان استنادا إلى مبادئ العقل.
تمثل مبادئ العقل هاته التي تتميز بالفطرية (مستقلة عن التجربة الحسية) والعموم، في مبدأين أساسيين تقوم عليهما عملية استقراء الظواهر، هما: مبدأ السببية العام الذي يقول ( أن لكل ظاهرة سبب كاف لحدوثها، و لا يمكن تصور ظاهرة بدون سبب)، وما يتفرع عنه من مبدأ الحتمية الذي يقول: أن نفس الأسباب تؤدي حتما و دوما إلى نفس النتائج، فهذه المبادئ ضرورية قبل الإقبال على دراسة الظواهر في الطبيعة، بل هي من البديهيات الواضحة التي لا تحتاج إلى برهان قال بوانكاري"العلم حتمي بالبداهة"، ومن الأمثلة التي تؤكد ذلك، هذا الانسجام والتناسق الذي نشاهده في الظواهر الكونية من حولنا، والتعاقب فيما بينها، ولولا هذا الانسجام والتناسق لما تمكنا من الوصول إلى القانون العلمي العلمي الذي يفسر هذه الظواهر، يقول ألبرت آينشتاين "انه بدون الاعتقاد بأن هناك انسجاما داخليا في العالم ،فإنه لا يمكن أن يقوم العلم "، كما أن الظواهر الطبيعية تتميز بالثبات ولا تقبل الطفرة أو العشوائية بل تحتفظ بخصائصها الأساسية، يقول هنري بوانكاريه:" قانون التعميم لا يصلح تطبيقه إلا إذا كانت الظواهر متشابهة "، بل لعل الأمر يتجاوز هذه المبادئ التي تؤسس لانطباق الفكر مع الواقع إلى انطباقه مع نفسه من خلال مبدأ الحتمية فالباحث مثلا:عند ما يجري تجربة على قطعة من مادة جامدة، ولتكن حجرا فهو يسلم أن هذه القطعة ثابتة في ماهيتها بحيث لن تتغير أبدا، في نفس الوقت الذي تشابه غيرها من المعادن، وقد أكد لابلاس فيما مضى أن الكون هو آلة كبيرة و يمكن التنبؤ فيه بكل ما سوف يحدث مستقبلا, أي ينبغي أن نعتبر الحالة الراهنة للكون أنها نفسها الحالة السابقة ونفسها التي سوف تكون مستقبلا. إذن: الاستقراء مشروع من الناحية المنطقية و يمكن الحكم على ما لم نشاهده انطلاقا مما شاهدناه، حيث تمكن الباحثين من اختزال ذلك الكم الهائل من الظواهر في مجموعة بسيطة من القوانين الفيزيائية التي تتقبلها جميع العقول .
نقد القضية:
لا يمكن إنكار أهمية الضمانات التي يقدمها العقل في المنهج الاستقرائي، لكن ألا تلاحظ أن معظم النتائج والمعارف التي توصل إليها العلماء تعتمد على المعطيات الحسية (الملاحظة والتجربة) التي تفرض نفسها في الواقع، والتي يقدمها الحس في صورة استنتاجات تجريبية. مما يوجب علينا ضرورة الاهتمام بالواقع الحسي التجريبي الذي يعد ميدان العلوم، أما إذا اكتفينا بالقول أن مبادئ الاستقراء بديهيات عقلية فطرية، وهي ضرورية لكل معرفة، فهذا الأمر أصبح مرفوض في هذا العصر الذي أنكر البداهة جملة وتفصيلا.
عرض نقيض القضية:
يرى المذهب التجريبي بزعامة دافيد هيوم الذي يعد المشكك الأول حول مشروعية الاستقراء، أنه غير مشروع، كما إن نتائجه أقرب إلى الترجيح و الاحتمال، حيث يستند على مسلمة مضمونها أن الاستقراء لا يرقى إلى الشرعية المنطقية لأن الفكر لا يطابق الواقع في كل الحالات .
ومما يؤكد صحة موقفه أن صدق القضايا الاستقرائية في تجربة ما (في زمان ما ومكان ما ) لا يشكل دليلا قاطعا على صدقها في الظواهر المشابهة في الحاضر أو المستقبل، حيث يقول دافيد هيوم " ليس هناك أي شيء يؤكد لنا أن المستقبل سيكون نسخة طبق الأصل لما يحدث في الحاضر " مما يعني أن صدق القضايا الاستقرائية في الماضي أو الحاضر ليس دليلا على صدقها في المستقبل، وفي حال صدقها فإن هذا يبرر الاستقراء واقعيا و ليس منطقيا . ولا يوجد تلازم بين العلة والمعلول ( كما يعقد العقليون) كل ما هناك هو تعاقب بين الظواهر يفسر بالعادات الذهنية وليس بمبادئ العقل (نفي مبدأ السببية) ، إننا تعودنا على مشاهدة ظاهرة البرق أنها تسبق الرعد فاعتقدنا أن الأولى هي علة الثانية , لكن الحقيقة أن كلاهما يحدثان في آن واحد بل فقط سرعة الضوء تسبق سرعة الصوت . كما تعودنا أن الشمس تشرق دوما من الشرق لكن هذا لا يعني إنها تشرق غدا من نفس المكان , كما تعودنا أن نرى الليل يسبق النهار لكن هذا ليس دليلا أنه علة للآخر . كل هذه الأدلة جعلت دافيد هيوم يشك في قيمة الاستقراء.
ثم إذا كانت القضايا بين رياضية تكرارية تعتمد على مطابقة الفكر لذاته، و قضايا تجريبية إخبارية مرتبطة بالواقع الحسي و مطابقة الفكر للواقع فإن الاستقراء هنا غير مشروع ، بينما هو مشروع لدى الرياضي، الذي بإمكانه أن يثبت حكما جزئيا واحدا على حالات لا محدودة مثل مجموعة زوايا المثلث يساوي 180° فهذا الحكم يصدق على جميع المثلثات المستوية، لكن ليس في إمكان الباحث التجريبي القيام بذلك فعالم الفلك لا يمكن أن يؤكد لنا بشكل مطلق أن ظاهرة الكسوف أو الخسوف ستحدث غدا أو بعده، وعليه فإن الأحكام الاستقرائية تحمل في ذاتها الاحتمال والترجيح لأن صدق الأحكام الاستقرائية في الماضي و الحاضر ليس دليل على صدقها في المستقبل.
نقد نقيض القضية:
إنكار مشروعية الاستقراء هو إنكار لأحد أهم الصفات التي تقوم عليها الروح العلمية فلا يمكن التعميم أو التنبؤ دون الإقرار بهذه المبادئ ، ومما يلفت الانتباه في هذا الموقف هو التناقض الذي وقع فيه دافيد هيوم حيث نفى السببية كفكرة، لكنه تشبث بالاستقراء كقيمة، مع العلم أنه لا يمكن الانتقال من الجزء إلى الكل إلا باعتماد مبدأ التلازم بين العلة و المعلول . وعلى العموم فإن مجرد التشكيك في هذا المبدأ يعد تشكيكا في نتائج العلم.
التركيب:
لعل مشكلة تبرير الاستقراء ترتبط أساسا بالصراع الدوغمائي بين ما هو عقلي وما هو تجريبي، لكن لا يمكن اعتبار الاستقراء انه تجريبي خالصا ولا عقليا خالصا، لكنه عقلي من الناحية المنطقية ( استنتاج تصاعدي من الجزء إلى الكل) . في نفس الوقت الذي هو تجريبي من ناحية الممارسة العلمية العملية، وهو ما يعني أن الاستقراء مبرر بالاستناد إلى مبادئ العقل و الحدوس التجريبية، وهنا وجب التذكير أن الاستقراء التام اليقيني يتعذر تجسيده في التطبيقات العلمية، بينما تجنح المعرفة العلمية إلى الاستقراء الناقص إيمانا منها بضرورة مبادئ العقل من جهة و الحدوس التجريبية من جهة أخرى.
حل المشكلة:
نستنتج في الأخير أن مشروعية الاستقراء لا تزال تراوح مكانها بين التجربة والعقل، لكن الاستقراء الناقص الذي يعد أنسب للبحث العلمي، إلا أنه أقرب للعقل منه إلى التجربة، رغم عدم يقينه، في الوقت الذي يظل الاستقراء التام ورغم يقينه وقربه من التجربة، يظل بعيدا عن متناول البحث العلمي، كونه يعتمد على دراسة كل الظواهر الجزئية، وفي هذا يقول المفكر الوضعي الإنجليزي برتراند راسل:"إن النظرية التامة في العلم لازالت فوق طاقة البشر ".