تعريف مبدأ الحتمية:
هي مبدأ عقلي تعني أن العقل العلمي يؤمن أنه متى ما توفرت نفس الأسباب إلا وستؤدي إلى نفس النتائج ، كما يعني أيضا هذا المبدأ أيضًا، أن الظواهر يتحتم وقوعها عندما تتوفر أسبابها.
وهو ما يعني أن العلم كما قال كلود برنار هو الشيء المحدد او الشيء القابل للتحديد، وأن الطبيعة تسير وفق نظام عام لا يمكنها أن تحيد عنه.
كانت الحتمية العلمية موضوع خلاف بين الفيزيائيين الكلاسكيين والمعاصرين ، أي بين من يرى أنها مبدأ مطلق صارم لا يمكالشيءواهر الطبيعة المختلفة "سواء تعلق الأمر بظواهر الأجسام الجامدة أو الكائنات الحية " أن تحيد عنه ، وبين من يرى أن هذه الظواهر تخضع لمبدأ مغايير كليا وهو مبدأ اللاتحديد أو اللاحتمية، فهل الظواهر الطبيعية محكومة بحتمية صارمة؟
مبدأ الحتمية المطلق
الماء يتبخر إذا تجاوزت درجة حرارته مستوى الغليان فالتبخر حتمي مهما كان نوع الماء وكميته.
الإنسان يموت إذا انقطع عنه الهواء لمدة تزيد عن ثلاث دقائق فالموت حتمي.
الأطعمة واللحوم يتعفن ويفسد إذا ظل عرضة للهواء.
هذا الاعتقاد البسيط هو عينه مبدأ الحتمية، وعلى العموم فبعض الأمور يصبح حدوثها حتمي متى توفرت أسبابها ومتى كانت خاضعة لنواميس الطبيعة.
العالم الكيميائي أو الفيزيائي لايستطيع البحث ما لم يؤمن بهذا الاعتقاد، لأن العلم يبنى على أساس مبدأ الحتمية ولهذا يعد هذا المبدأ فرض الفروض العلمية ومبدأ الاستقراء.
الحتمية تنفي فكرة الصدفة وفكرة الاحتمال والشك في احتمال حدوث الظواهر.
نظر بعض العلماء إلى الظواهر نظرة آلية ميكانيكية فاعتبروا الطبيعة آلة وظواهرها الحية والجامدة أجزاء لهذه الآلة وهي تعمل متفاعلة تفاعلا حتميا تمليه ضرورة عمياء مجهولة المصير.
يؤكد هذا لابلاس حين يقول يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي ستأتي بعد ذلك مباشرة.
يقول كلود برنارد: " إن الحتمية هي مطلقة وكاملة فهي تنطبق على الأجسام الحية كما تنطبق على الأجسام الجامدة وهذا المبدأ الحتمي هو ضروري جدا للعلم ولا يمكن للعالم أن يشك فيه هذا يعني أن العلم التجريبي يجب أن يطرد كل معطى يناقض هذا المبدأ ".
مبدأ اللاحتمية
تقدم وسائل العلم و الملاحظة والتجريب وتطور الآلات سمح بمعرفة الظواهر أكثر فأكثر وبالتالي أدى إلى مراجعة مبدأ الحتمية المطلقة
العالم ليس مجرد آلة ميكانيكية كبيرة، والظواهر ليست مجرد أجزاء لهذه الآلة، ولا بد من تصحيح هذه النظرة القديمة ، فما يصدق على العوالم المتناهية في الكبر لا يصدق على العوالم المتناهية في الصغر
اكتشف طومسون ظاهرة النشاط الإشعاعي للراديوم
قام وادزفورد بصياغة قانون تفتيت الذرة
اكتشف العلماء أن بعض الذرات تتميز بنشاط إشعاعي فهي تقذف ببعض الجزئيات تلقائيا
المادة تتألف من إلكترونات ذات شحنة كهربائية سالبة وبروتونات موجبة
تأكد للعلماء وجود جسيمات أخرى لم تكشف بعد لقصر حياتها.
نتيجة لهذه الاكتشافات أصبح العلم محكوم بمبدأ جديد هو اللاحتمية
يقول ادينجتون ان تقدم العلم الطبيعي جعل الدفاع عن مبدأ الحتمية المطلق مستحيلا، فلا نعرف أي قانون حتمي في عالم الطبيعة، وفرض الحتمية لا يؤكده أي دليل ، و أن الإيمان بوجود علاقات دقيقة صارمة في الطبيعة هو نتيجة للطابع الساذج لمعارفنا بالكون.
الخلاصة
خلاصة القول أن الاكتشافات الجديدة في مجال العلوم الطبيعية غيرت المفهوم القديم للحتمية الذي أصبح غير قابل للتطبيق في الميكرو فيزياء، لكن هذا لا يعني رفض مبدأ الحتمية، لأن النظريات الحديثة لا تهدم المبدأ لكنها تهدم الصرامة واليقين المطلق.