العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية
الحجم


بعد النجاح الذي حققته الدراسة التجريبية ، أصبحت منهجا مطلوبا لدراسة كل ظاهرة تقصد الموضوعية ودقة النتائج ، خاصة بعد اقتحام مجال البيولوجيا وتذليل عقباتها ، وهو ما شجعها على دراسة بإبعاد المختلفة ، مما ولد عدة أسئلة أهمها: هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية؟ وهل يمكن التنبؤ بما يصدر عن الإنسان من سلوكات؟ ، وهل يمكن التوصل إلى فهم القوانين التي تحكمه ؟ وهل بالإمكان تحقيق الموضوعية في علوم موضوعها الإنسان؟






 


العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية









ضبط مفهوم العلوم الإنسانية

العلوم الإنسانية نسبة إلى موضوعها وهو الإنسان.

هي علوم متخصصة في دراسة سلوكيات الفئات البشرية من حيث أنماطها وصور حضارتها ، في الحاضر أو في الماضي .


أو هي مجموع الاختصاصات التي تدرس مواقف الإنسان وأنماط سلوكه المختلفة.


 موضوعها

هو كل ما يصدر عن الإنسان من أنواع السلوك ، سواء كفرد مستقل بذاته أو كعضو في المجتمع.


العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية و المنهج التجريبي.

إذا كانت العلوم المعيارية تهتم بوضع النماذج والمثل التي ينبغي أن يكون عليها سلوك الإنسان ، مثل علم الجمال " الحسن " والأخلاق " الخير " المنطق " الحق" .

إذا كان العلم يهتم فقط بما هو كائن كواقع يمكن التثبت منه فعليا ، فمن التناقض تصور علم بكل معاني كلمة العلم تكون أحكامه غير مستمدة من الواقع.

بناء على هذا ، يعتقد ليفي برول أن العلوم المعيارية علوما متناقضة ، ولا يمكن أن تجتمع في آن معا فكرة العلم وفكرة المعيارية ، أو الأحكام التقريرية لأنها تصبح دراسة للظواهر السلوكية المعتادة في كل مجتمع على حدة .



 إمكانية قيام علوم إنسانية

يرى البعض استحالة قيام علوم إنسانية ، لأن من شأن العلم أن يقوم على الموضوعية والملاحظة والتجريب والسببية والحتمية ، هذا عندما يتعلق الأمر بدراسة الإنسان ، بسبب بعض العوائق التي تقف أمام الدراسات الإنسانية ، فما المانع العلمي من تكرار هذا التجاوز في العلوم التي تدرس الإنسان ؟


العوائق الابستمولوجية التي تحول دون تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الإنسانية

تختلف الظاهرة الإنسانية عن ظواهر الطبيعة ، في إن الظواهر الطبيعية تسمح بتطبيق المنهج التجريبي عليها دون صعوبة تذكر بينما ظواهر الإنسان مختلفة كليا عن ذلك :

الظاهرة الإنسانية أشد تعقيدا من المادة الحية، في متداخلة بحيث لا يمكن أن ينفرد علم واحد بدراستها ، موضوع الانتحار مثلا تتصالب فيه موضوعات كثيرة.

في العلوم الإنسانية يكون الدارس هو نفسه المدروس ، وهو الإنسان ، بحيث يستحيل علينا تجاهل الميول والاندفاعات والرغبات والأماني ، يقول كلود ليفي ستروس : " يفترض كل بحث علمي ثنائية الملاحظ وموضوعه ، ففي العلوم الطبيعية يضطلع الإنسان بدور الملاحظ ويتخذ من العالم موضوعا له ... وإن كانت العلوم الاجتماعية والإنسانية علوما حقيقية فإنه يتعين عليها أن تْبقي على هذه الثنائية ... وبذلك تصبح القطيعة بين الإنسان الملاحظ ، والإنسان الملاحَظ فردا كان أو جماعة ."

سلوك الإنسان يخضع لقصده وحرية إرادته واختياره ، وهو بذلك لا يخضع لمبدأ الحتمية الذي يعد مبدأ أساسيا في العلم.

سلوك الإنسان ليس قابلا للتقدير الكمي بحيث يعوزه القياس، إنما هو ظواهر معنوية يكفي فيها الوصف ، فهي ظواهر كيفية معنوية


وعلى العموم فالظاهرة الإنسانية لا يمكنها تحقيق الموضوعية القائمة على مستوى ظواهر الأجسام الجامدة ، أو ظواهر الكائنات الحية ، يقول كلود ليفي ستروس " إن الفرق الأساسي بين العلوم الفيزيائية والعلوم الإنسانية ، لا يتمثل حينئذ كما يقال عادة في أن العلوم الفيزيائية تنفرد بالقدرة على القيام بتجارب ، وعلى إعادتها كما هي في أزمنة وأمكنة أخرى ، فالعلوم الإنسانية تستطيع ذلك هي أيضا وإن لم تكن كل العلوم الإنسانية قادرة على ذلك. "


google-playkhamsatmostaqltradent