مقارنة بين البديهيات والمسلمات "الموضوعات أو المصادرات"

ابو محمد المعتصم
الصفحة الرئيسية

نص السؤال: 

تعتمد البرهنة الرياضية على البديهيات المسّلمات، .فما الفرق بينهما ؟

فهم السؤال:
البديهيات: قضايا أولية واضحة.
المسلمات: الموضوعات أو المصادرات.

الطريقة: المقارنة









مقارنة بين البديهيات والمسلمات "الموضوعات أو المصادرات"



طرح المشكلة:

الرياضيات علم عقلي دقيق متميز بموضوعه الكم المشخص والمجرد ومنهجه القائم على الاستنتاج، الأمر الذي جعله يحتل مكانة رفيعة مقارنة بالعلوم الأخرى، وإذا كانت النتائج ترتبط بالمنهج وبما يقوم عليه من مبادئ وأسس فإن العقل الرياضي يميز بين ما هو بديهي وما هو مسلم به، أو ما يعرف بالمصادرات فإذا كانت البديهيات تختلف عن المسلمات، فهل يعني هذا عدم وجود تشابه بينهما؟ ثم ما الفرق بينهما ؟

محاولة حل المشكلة:
أوجه الاختلاف :

يعود التمييز بين البديهية و المصادرة إلى العالم الرياضي اليوناني إقليدس الذي ميز في نسقه بين قضايا واضحة بذاتها و صادقة صدقا ضروريّا، هي البديهيات كقولنا "الكمان المساويان لثالث متساويان"، عبّر ديكارت عن هذا قائلا : " إن البديهيات موجودات بسيطة تدركها بواسطة الحدس العقلي لأنها تمتاز بالوضوح المطلق، وبين قضايا ليس واضحة بذاتها لكنها العقل الرياضي يضعها ويصادر حق البرهنة عليها وهي المسلمات كقولنا "المكان سطح مستوي" بين قضايا يبرهن بها ولا يبرهن عليها، وبين أخرى نسلم بصحتها فنسقط حق البرهنة عليها، بين البديهيات الفطرية العامة التي لا يمكن التشكيك فيها باعتبارها ضرورة عقلية وهذا ما عبّر عنه كانط حين قال:" البديهيات تفرض نفسها علينا بالقوة بحيث لا يكون بإمكاننا أن نتصور للقضية نقيضا "، وبين المصادرات الخاصة المكتسبة عن طريق محاكاة الواقع الحسي، تماما كمصادرة إقليدس القائلة بأن مجموع زوايا المثلث يساوي 180 ْيضاف إلى هذا أن البديهية قضية منطقية لا يمكن الخروج عنها وإلا وقع العقل الرياضي في التناقض مع مع نفسه، بينما تدفع المسلمة الرياضية العقل الى العناد والتشكيك وإمكانية الخروج عنها، وهذا ما قام به العقل الرياضي المعاصر، وعلى العموم فقد بين عبد الرحمن بدوي الفرق بينهما بقوله : "بين البديهية والمصادرة عدّة فروق فالبديهيات بينة بينما المصادرات فليست كذلك ".

أوجه الاتفاق :

كثرة الاختلافات بين البديهيات و المصادرات لا تعني بالضرورة عدم التشابه بينهما، فهما من الأسس والمبادئ المعتمدة في البرهنة الرياضية، والهدف من صياغتهما هو الوصول إلى حقائق تركيبية جديدة عرفت في الرياضيات المعاصرة، ترتبط البديهيات والمسلمات بالعقل البشري وتحديدا عقل اقليدس ما عقبها من محاولات لتجاوزهما أو إثباتهما، وقد لعبت هذه القضايا دورا كبيرا في إثارة العقل الرياضي وتحفيزه لتأسيس البرهنة الرياضية على مدى قرون طويلة، كلاهما تقريبا لعب نفس الدور في الهندسات اللاإقليدية.




أوجه التداخل :

وجود مستويات الاختلاف والتشابه بين المسلمة والبديهية يعني بالضرورة قيام علاقة بينهما، هي أقرب إلى التكامل ، فنحن نستخدم البديهيات في البرهنة على صحة المصادرات، وقد تلاشت معالم الاختلاف بينهما في الهندسة المعاصرة، إلى درجة اعتبارهما مجرد أوليات يضعها العقل ويلتزم بها طيلة البرهنة الرياضية، فكلاهما مشوكوك في صحته يحتاج إلى برهان، وقد بين روبير بلانشي أن الرياضيات لم تعد تميز بين بديهية ومصادرة حيث ييقول: "الرياضيات المعاصرة ترتكز على فكرة الاتساق المنطقي أكبر من اعتمادها على فكرة الحقيقة المطلقة ".


حل المشكلة :

نستنتج أن التمييز بين البديهية والمسلمة قد ارتبط في البداية بالهندسة الاقليدية، رغم ذلك فإن دورهما في البرهان يؤكد التكامل الوظيفي بينهما، أما في الهندسات المعاصرة فقد أصبح التمييز بينهما من الماضي، حيث أصبح العقل الرياضي لا يهتم بالوضوح من عدمه، وإنما يهتم بدور الأولية في البرهان، يقول ديفيد هيلبرت: "أن الرياضيات لم تعد تؤمن ببديهيات ومصادرات فكل القضايا الرياضية مجرد فرضيات قابلة للإثبات والنفي ".
google-playkhamsatmostaqltradent