الإشكال الفلسفي في النص
يبدأ النص من ملاحظة تربوية / نفسية بسيطة:نحن نميّز في حياتنا اليومية بين مرحلة التعلّم و مرحلة امتلاك العادة وترسّخها؛ فنقول: الطالب أنهى دراسته، السائق حصل على الرخصة… وكأنّ التعلّم ينتهي بمجرد الحصول على شهادة أو رخصة.
السؤال الذي يطرحه النص ضمناً هو:
هل ترسّخ العادة يعني نهاية التعلّم وانقطاع التكرار؟ أم أن التكرار والالتعلّم يستمران حتى بعد رسوخ العادة، وأن الحدود بين التعلّم والاعتياد ليست حقيقية بل اصطناعية؟إذن الإشكال يدور حول طبيعة العلاقة بين التكرار، العادة، والتعلّم:
هل التكرار الذي يبني العادة هو نفسه التكرار الذي يمارسها بعد رسوخها، أم أن هناك نوعين من التكرار؟ وهل التعلّم مرحلة محدودة أم سيرورة مستمرة؟
أطروحة النص
الحدود بين مرحلتي تكوّن العادة ورسخها حدود اصطناعية وشكلية؛ نحن نرسمها لأسباب عمليّة (شهادات، امتحانات، رخص…) لكنها لا تعبّر عن واقع نفسي واضح.
التعلّم لا يتوقف عند ترسّخ العادة؛ فالصانع بعد تخرّجه، والسائق بعد حصوله على الرخصة، يواصلان التعلّم من خلال ممارستهما اليومية لفنهما.
يميّز الكاتب بين:
1. تكرار وهمي: يخصّ مرحلة تكوّن العادة؛ وهو تكرار تعلّمي إرادي، يرافقه استحضار الهدف والمعنى.
2. تكرار واقعي: يخصّ العادة بعد رسوخها؛ حيث يصير الفعل إجراءً يُعاد بشكل لا إرادي تقريباً كلما اقتضى الواقع ذلك.
إذن أطروحة النص هي أن العادة ليست حالة نهائية مغلقة، بل هي سيرورة تعلّم مستمر، يكون فيها التكرار في البداية تعلّمياً واعياً، ثم يتحوّل تدريجياً إلى تكرار واقعي شبه تلقائي، دون أن تنقطع صلته بالتعلّم.
تحليل المفاهيم الأساسية
مرحلة الرسوخ
هي تلك اللحظة التي يبدو فيها الفعل قد استقرّ وصار يُنجَز بسهولة، فيخيّل إلينا أن التكرار تحوّل إلى “واقع” ثابت. لكن الكاتب ينبّه إلى أن هذه اللحظة ليست واضحة تماماً، وأن بدايتها الحقيقية تأتي متأخرة عما يتصوّره الحسّ المشترك.
التكرار الوهمي: تكرار تعلّمي، يخصّ المرحلة الأولى من اكتساب العادة. هو وهمي لأنه ليس تكراراً آلياً للفعل نفسه، بل تكرار مرفوق باستحضار المعنى والهدف (كأن أكرّر حركات السياقة وأنا أراقبها وأصحّحها).
التكرار الواقعي: تكرار العادة بعد رسوخها؛ يصبح الفعل بمثابة إجراء يعاد كلّما استلزم الواقع ذلك، بدون حاجة كبيرة إلى وعي وتأمّل.
العادة
ليست عند غيوم ميكانيكية خالصة؛ فهي من جهة نتيجة تكرار، لكنها من جهة أخرى تبقى منفتحة على التعدّل والتطوّر، لأن التعلّم يستمر داخلها.
التعلّم
ليس مجموعة دروس تنتهي بامتحان، بل هو عملية مستمرة تصاحب الفاعل طوال ممارسته؛ لذا فالشهادة أو الرخصة مجرّد “حدود اصطناعية” تفيدنا عملياً، ولا تعبّر عن نهاية حقيقية للتعلّم.الحسّ المشترك
يميل الناس إلى الاعتقاد بأن التعلّم ينتهي عندما “نحصل على المهارة”، لكن الكاتب ينتقد هذا الاعتقاد ويعتبره سطحياً.
تحليل نص بول غيوم، العادة والتكرار
رفض صاحب النص الفكرة القائلة بأن العادة تخضع لـ "التكرار وحده" أو أنها مجرد إعادة لنفس الفعل بصورة مطابقة. موقفه صريح في أن العادة عملية ديناميكية (حيوية) وليست ميكانيكية جامدة. يرى الكاتب أن العادة هي "تعلم" و "تكيف"، وليست مجرد استعادة لحركات سابقة. فجوهر العادة ليس في تكرار الفعل كما وقع في الماضي، بل في تغييره وتحسينه للوصول إلى الغاية المنشودة بأقل جهد، مما يعني أن العادة تتناقض جوهرياً مع مفهوم التكرار الحرفي.
يرى بول غيوم أن الحدود التي نضعها بين مرحلة التعلّم ومرحلة رسوخ العادة حدود شكلية واصطناعية، لا تعبّر عن حقيقة النفسية للإنسان.يؤكّد غيوم أن العادة الراسخة لا تنفصل عن التعلّم؛ إذ يظلّ الفرد قابلاً للتعديل والتطوّر من خلال ممارسة عاداته ذاتها. وبناءً على ذلك، فالتعلّم في رأيه سيرورة مستمرة، وليست مرحلة محدودة تنتهي بالحصول على شهادة أو اعتراف اجتماعي.
حجة منطقية (التناقض بين التعلم والتكرار): بدأ النص بتبيان التناقض بين فكرة "اكتساب مهارة جديدة" وفكرة "تكرار الفعل بعينه". يقول الكاتب لو كنا نكرر نفس الفعل دائماً بنفس الكيفية التي قمنا بها أول مرة، لما تعلمنا شيئاً ولما تطورنا، بل لكررنا أخطاءنا وظللنا في نقطة البداية. إذن، التعلم يقتضي التغيير، بينما التكرار الحرفي يقتضي الثبات، وهما لا يجتمعان.
حجة "الاقتصاد في الجهد" (مثال القراءة والتهجئة): يوضح النص أن الحركات الناجحة (العادة المكتسبة) تتميز بالاقتصاد في الجهد، حيث يتخلص الإنسان من الحركات الزائدة وغير النافعة. فضرب مثالاً بـ "القراءة"، فالقارئ الماهر لا يكرر عملية "التهجئة" المتعثرة التي كان يقوم بها في بداياته. تكرار تلك المحاولات الفاشلة ليس هو العادة، بل العادة هي النتيجة النهائية المصقولة.
حجة نفسية/غائية (مثال الطفل وتعلم الكتابة): استحضر الكاتب مثال الطفل الذي يتعلم رسم حرف "ألف". فالطفل لا يحاول تكرار "خربشاته" السابقة، ولا يهتم بتكرار الحركات الفسيولوجية (حركة اليد) ذاتها، بل هو يركز عقلياً ونفسياً على "النموذج" أو "المقصود" (شكل الحرف الصحيح). هنا يميز النص بين:
الجانب الآلي (الفسيولوجي): تكرار حركات الجسد، وهذا لا يصنع عادة حقيقية.
الجانب النفسي (المقصود): السعي نحو الغاية. فالطفل يكرر المحاولة ليصل إلى "وحدة المقصود" (الشكل الصحيح للحرف) وليس لتكرار الفعل الفيزيائي، مما يجعل العادة فعلاً عقلياً هادفاً وليست آلية عمياء.
يذهب صاحب النص إلى التمييز بين نوعين من التكرار:
تكرار تعلّمي أو “وهمي” يخصّ مرحلة اكتساب العادة، حيث يكرّر الفرد الفعل عن وعي وإرادة، مع مراقبة وتصحيح مستمرّين.
تكرار واقعي يخصّ العادة بعد رسوخها، حيث يصبح الفعل إجراءً يُعاد تلقائياً كلّما دعا إليه الواقع.
تثمين الموقف: أصاب صاحب النص في نقده للنظرة المادية الآلية التي جردت الإنسان من وعيه وحولته إلى آلة تكرر ردود الأفعال (كما عند السلوكيين). لقد أبرز الجانب الإيجابي للعادة باعتبارها مرونة وتكيفاً وذكاءً عملياً يوفر الجهد والوقت.
الرأي الشخصي
من وجهة نظري الشخصية، أرى أن طرح صاحب النص يتسم بالوجاهة والواقعية؛ فالإنسان كائن واعٍ وليس آلة صماء، وبالتالي لا يمكن اختزال سلوكه في مجرد تكرار ميكانيكي.
أعتقد أن ) ). إذن، العادة الإيجابية هي التي تحرر العقل من مراقبة الحركات الجسدية، ولو كانت مجرد تكرار لظل العقل مقيداً بمراقبة كل حركة، ولما حدث أي تطور حضاري أو مهاراتي عند الإنسان. لذلك، العادة هي تكرار واعٍ يهدف إلى تحرير الوعي.
